بعد 20 سنةً على صدور اليورو عملةً ورقية (2002) قرَّر البنك المركزي الأُوروپـي تغييرَ الرُسوم والنقوش الحالية على الأَوراق النقدية التي لا يميِّز حاليًّا واحدتَـها إِلَّا اللونُ الـمُغاير، وتمتدُّ عليها رُسُومٌ ونُقُوش بدون هُوية محدَّدة لبلدٍ معيَّن من دُوَل الاتحاد الأُوروپـي (كما ربح جائزةَ تصميمِها سنة 1996 الرسام روبرت كالينا من البنك المركزي النمساوي).
قرارُ البنك المركزي الأُوروپـي: أَن يطبعَ على الأَوراق النقدية صُوَرَ أَعلامٍ خدَموا أُوروپا، وترضى بهم الدول الخمسُ والعشرون التي يتم فيها حاليًّا تَداوُلٌ باليورو.
حول هذا الموضوع تابعتُ قبل يومين تقريرًا للشبكة الفرنسية الأُولى (TF1) أَجرى فيه المذيع تحقيقًا ميدانيًّا عن أَيِّ أَعلامٍ يقترح الـمُسْتَفْتَون أَن يرَوا على الأَوراق النقدية، بعدما أَوراقُ الفْرنك الفْرنسي السابق كانت تحمل صُور ڤيكتور هوغو وبليز پاسكال وأَنطوان دو سانت إِكزوپّري وآخرين.
تفاوتَت الأَجوبة بين مَن اقترح توماس پـيسْكيه (خرّيج المعهد الوطني العالي لعلوم الفضاء والبحار بتصميمه عربةَ فضاء متطورة)، ومَن اقترح ماري كوري (“نوبل العلوم” مرتين: للفيزياء 1903 وللكيمياء 1911)، أَو سيمونّْ ڤايل (رئيسة الـپـرلمان الأُوروپـي 1979-1982)، أَو غوستاف إِيفل (برجُه مَعْلَمٌ هندسي فْرنسي لكنه أَيضًا مَعْلَم سياحي أُوروپـي بل عالَمي)، أَو لويس پاستور (أَوجد لَقاحًا أَفاد البشرية). واقترح واحدٌ فقط صورَ رُؤَساء فْرنسيين كڤاليري جيسكار ديستان وفرنْسْوَى ميتران.
طبيعي أَن تختار كلُّ دولة أَعلامها الخالدين، أَباطرةً من تاريخها القديم أَو عباقرةً من تاريخها المعاصر. ومَن استفتاهم التقرير التلڤزيوني فْرنسيُّون اقترحوا أَعلامًا فْرنسيين امتدَّت مآثرُهم على أُوروپا وأَبعد. معظم الأَجوبة اقترحت أَسماء علماء ومبدعين، وقليلون اقترحوا سياسيين. وقرار البنك المركزي الأُوروپـي يفترض أَعلامًا ترضى بهم جميعُ الدول أَعضاء الاتحاد الأُوروپـي. لذا يجب اعتمادُ أَعلامٍ ذوي أَفضال على كلِّ أُوروپا كي تشعر كلُّ دولة أَنها، بصيغةٍ أَو بأُخرى، مَعْنيَّةٌ بِـمَن على أَوراقها النقدية الأُوروپية العامة التي ستصدر إِلى التَدَاوُل بدءًا من كانون الثاني 2024، بعد سنتين مُقْبلَتَين من التدَاوُل للاختيار.
في تقرير البنك المركزي الأُوروپـي عبارةٌ لافتة جاء فيها: “أَن يَجمَع الأَعلامُ المختارون صورةَ ماضينا الـمُشتَرَك فيكونَ لنا مستقبلٌ مشترك، هو طريقُنا المنقِذ في هذا العصر”.
بعد ظهر أَمس، كنتُ أَتداوَل مع صديقٍ في هذا الأَمر، فابتَسَم بِشَفَةٍ واحدة وبادرني: “مستقبلٌ مشترَك؟ تُرى لو قرَّر البنك المركزي اللبناني أَن يُصدر أَوراقًا نقدية عليها صُوَرُ أَعلامٍ لبنانيين، ما تكون نتيجةُ استفتاء الناس”؟
أَجَبْتُهُ أَنا أَيضًا بِشَفَةٍ واحدة: “راجِعْ أَسماء المستشفيات الكبرى والشوارع الكبرى والجادات الكبرى، تَجِدِ الجوابَ المرير”.
هـنـري زغـيـب