عُمري؟ نصف قرن في “النهار”
“أَزرار” – الحلقة 1213- “النهار” – السبت 5 شباط 2022

في مثل هذا الشهر (شباط) قبل نصف قرن، رأَيتُ توقيعي للمرة الأُولى في “النهار”.

ومنذ شباط 1972، قبل 50 سنة، سُكْنايَ “النهار”: بيتيَ الثاني.

كان ذلك يوم دخلتُ على أُنسي الحاج حاملًا قصيدةً لـ”الملحق”. كان يكتُب. لم يَنظُر إِلَيّ. ظلَّ يكتُب، وأَنا واقف لا أَدري إِن كان يَـجْمُلُ بي أَن أَجلس قبل أَن يَنتبه إِلَيّ. تَسَلْحَفَتْ دقائق مطَّاطةٌ مالحةٌ حتى استجمعتُ قوايَ النُطقية وعاجلتُ هيبَتَه العابسة بـــ”مساء الخير أُستاذ. هذه قصيدة لي أَتمنَّى أَن تَنشُرها في الملحق”. رفع بعضًا من عينيه وأَجابني بإِصبعه أَن أَتركَها على المكتب. خرجتُ من لَدُنِه واجمًا خائبًا واثقًا أَن قصيدتي ستضيع بين أَكوام تَجمهَرَت على مكتبه. نهار الأَحد صدرَت “النهار”، وقصيدتي ضمن إِطار في صدر صفحةٍ من “الملحق”.

عامئذٍ كنا نصطاف في عشقوت، وجاري فيها الشيخ نسيب وهيبه الخازن. كتبتُ عنه مقالًا حول كتابه “أُوغاريت”. حملَه هو إِلى شوقي أَبي شقرا مُرْدِفًا له: “هذا مقال عميق كتبه الشاعر هنري زغيب”. استغربَ شوقي الاسم واستفسَر بنظَّارتيه السميكتين من الشيخ نسيب: “ومين يعني هنري زغيب”؟

بعد يومين صدر المقال بعنوان لافت من “شُغل” شوقي. وفي اليوم الثالث كنتُ في الحمراء أُرافق الشيخ نسيب إِلى “النهار” لأَن: “شوقي بدُّو يتعرَّف عليك”. ومنذ تلك الــ”يتعرَّف” بدأْتُ أَكتب للصفحة الثقافية في “النهار” مقالاتٍ شبْهَ دورية وأُخرى يُكلِّفُني بها شوقي. كنتُ أَحرص على مقارنة مخطوطتي بالمقال الصادر لأَرى “آثار” القلم الأَحمر في يد شوقي وأَكتسِبَ منها. بعد أَسابيع ضئيلة، بدأْتُ أَزور مُحاسب “النهار” آخر الشهر.

تلك كانت، قبل 50 سنة، بداية انتمائي إِلى أُسرة “النهار”. وحين بعد 4 سنوات “سرقَني” الزميل كابي طبراني إِلى عائلة سليم اللوزي في “الحوادث”، لم أُغادر “النهار” وارتجلُت لمقالاتي فيها اسمًا مستعارًا (“هاني ورديّة”) بقي سرًّا بيني وبين شوقي الذي انتقلْتُ معه من إِقليم الزمالة إِلى كوكب الصداقة، مثلما أَشرقَت لي لاحقًا من أُنسي الحاج صداقةٌ وُثْقى بلغَت حد “الـمُسارَرات الشخصية”. وحين فتَكَ الهنود الحمر بسليم اللوزي وغادرتُ “الحوادث”، حسَرتُ عن اسمي في مقالاتي لـ”النهار” وما عاد يغيب.

في آخر الثمانينات أَصدر الحبيب جبران تويني “النهار العربي والدولي” مجلة أُسبوعية في پاريس كنت أَمدُّها بمقالتي الدورية وبصفحة أُسبوعية كاملة عنوانها “مفكِّرة السلْم في زمن الحرب” شبيهة بزاويتي الحالية “أَزرار” صباح كل سبت.

ومع عودة جبران إِلى بيروت أَصدَر “نهار الشباب” فكانت لي فيه أَيضًا زاويتي الأُسبوعية “كومپاكت” أَختُم كل مقال فيها بمقاطع غزَل: “صديقة البحر” ثم “حميميات”، صدرَت لاحقًا في كتابَين بهذَين العنوانَين كانا غُروبَ عهدي بشِعر الغزَل قبْل شُروق شعر الحب حين حلَّت عليَّ نعمةُ “داناي” في الستين من عمري فحوَّلَت خريفي ربيعًا لا إِلى زوال.

ومع فتْكِ الهنود الحمر مجدَّدًا بالحبيب جبران تويني، وارتقاءِ العزيزة نايلة عرشَ “النهار”، أَحسسْتُني أَقرب إِلى “بيتي الثاني” كي نَنهض به معها ومع كوكبة زملاء رائعين يُكاتفونها لتُكملَ بــ”النهار” تَوُّسُّعًا وطُموحًا وتَطَوُّرًا إِلى وثبةٍ ساطعة هي بنْتُ العصر بتكنولوجياهُ وإِلكترونياته و”أُونلاينَاته”.

وما زالت “أَزرارِ”ي تُواصل الـمُشاركة في هذا العرس الـمِهَنيّ الـمُشِعّ، وأَحتفلُ هذا الشهر بمرور 50 سنةً على سُكناي في “النهار”، ويُواصل اسمي الأَدبي زَهْوَهُ بصدوره على صفحات “سيدة الصحافة العربية” كما سمَّاها الإِعلاميُّ الكبير داود الشريان في جوابه عن طلب نايلة تويني أَن يرئِسَ تحرير عددٍ استثنائيٍّ من “النهار”.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib