تتزايدُ هذه الجائحة. تتَّسع. تَقضُم أَرواحًا، تُصيب أَجسامًا، تُروِّع سُكَّانًا، تُقفل مُدُنًا وبلدانًا، تَحجر ملايين، تُهدِّد الكوكب، تُتعِب ولا تَتعَب.
أَيُّ لعنةٍ هي على البشرية؟
المؤْمنون يُعيدونها إِلى “غضب الله” ويَهرعون إِلى بيوت الصلاة. العلماء يُعيدونها إِلى “انفلات جرثومة” ويَهرعون إِلى المختبرات. الباقون يتوجَّسون من “غضب الطبيعة” ويَلجأُون إِلى اتِّقاء الخطر بالخوف.
هذا الكوكب الذي ظلَّ يتطاول على المدار حتى بلغ القمرَ جارَه الأَقرب، يدور اليوم حول الشمس، متقلِّبًا بين القلق والأَرق، ويتطلَّع بطَرف عينه متفقِّدًا جارَه القمر.
وفيما العلْم عند فجر القرن الحادي والعشرين تنطَّح للتبشير أَنْ سيكون قرنَ سعادة الإِنسان الفائقِ القُدراتِ القاهرةِ كلَّ صعوبة، الغازيةِ جيرانَ كوكبنا بعد غزْو جاره القمر، فوجئَ بجرثومة خفية “كوڤـيدية كورونية” لم يكتشفْ سرَّها بعدُ كي يَفتك بها قبل أَن تواصل فتْكها بملايين أُخرى.
إِخاله، كوكبَنا، وهو يدور بين إِخوته الكواكب في الدَورة الشمسية، يئنُّ حُزنًا على سكَّانه الذين تُـخَضْخِضُهم جرثومة خبيثة قاتلة. وإِخاله لم يَفقد ثقته بإِنسانه الرائع الذي لم يدَعْ أَيَّ حدَثٍ في القرن الماضي يَهزم البشرية، على ما حفلَ به القرن العشرون من فواجع وحروب وكوارث قضَت على ملايين البشر: الحرب العالمية الأُولى (1914)، الأَنفْلونزا الإِسبانية (1920)، انهيار بورصة نيويورك (1929)، الحرب العالمية الثانية (1939)، الحروب في كوريا وڤـيتنام وسواها، طاحنةً ضحايا وشهداء ومعاقين ومشوَّهين وتعساء أَبرياء، جوعًا وتَضَخُّمًا وبطالةً ومآسيَ وفواجع. وكان العالم يتغيَّر بعد كلِّ حدَث، إِنما واصلَت البشرية تجديدَ حياتها ولم تَفقد الأَمل.
وسيظل كوكبُنا يَثِقُ بإِنسانه الذي – في معابد العلوم وهياكل الأَبحاث (مختبراتٍ ومعاهدَ ومؤَسساتٍ وجامعاتٍ متخصصةً وتجاربَ واختباراتٍ مخبريةً وميدانيةً متواصلة) – لن ينكفئَ عن اختراق جدار المجهول. فالذي نَعَتَهُ أَلِكْسي كارِلّ بـــ”هذا المجهول”، اقتحَم المجهولات، وكشَف واكتشَف واختَرع وسوف يواصل ولم ينهزم ولَنْ.
ما الذي يَدفعه؟ الحب: الذي غذَّى الحماسة العلمية لدى ماري كوري ولويس ﭘـاستور والأَخوين لوميير وسائر العائلة العلْمية العالَمية، إِنما هو الحُب، حبُّ الإِنسان أَخاه الإِنسان، وتاليًا حبُّ البشرية والإِيمانُ الراسخُ بالإِنسانية.
بأَدواتٍ ووسائلَ وطرائقَ كانت، طيلة القرن العشرين، بدائية ثم متطورة، واصلَت البشرية تجديدَ حياتها، فكيف بها اليوم على شرفة المشهد العالمي الحالي من تقدُّمٍ وتطوُّرٍ مذهل!
مع الكورونا يتغير العالم اليوم في الكوكب كلِّه؟ يتغيَّر. وسيعتاد أَن تتأَقلم حياتُه مع نمط هذا التغيُّر في العيش اليوميّ لفترةٍ مقْبلةٍ باعتماد الكِمامة والحجْر والمتوفِّر من وسائط إِلكترونية وإِنترنِتِيَّة. ومَن يصبرْ يَنْجُ، فلا يَتذمرنَّ أَحدٌ من هذه الفترة وتغيُّراتها لأَن التي تَعقبها ستُعيدُ إِلى الإِنسان رفاهًا أَجمل، وسعادةً أَبهى، وترَفًا لم يَشهَده من واحات الترف النفْسي والجسدي، فرديِّه والجماعيّ.
هو الحبُّ يُنقذ العالم، ويُوحِّد البشرية من جديد على حبُّ الإِنسان أَخاهُ الإِنسان.
الأَملُ آتٍ، الرجاءُ مقبلٌ، الليلُ لن يطول، وسوف يكونُ… فرحٌ كثير.
هـنـري زغـيـب