“نقطة على الحرف” – الحلقة 1487
لا مجالَ فيها لمساومةٍ أَو مسايرةٍ أَو إِرضاءِ أَحَد
“صوت كلّ لبنان” – الأَحـد 25 تشرين الأَوّل 2020

في حُميَّا معظم الناس هذه الأَيام، مراقبةُ ما يجري بعد التكليف، منتظرين مفاصل التأْليف.

وفي دُرجة ما يتابعونه في حلَبة النقاش “معادَلةٌ ثلاثيةٌ” تتكرَّر على معظم الأَلسنة وفي تَوق النوايا: “حكومةُ اختصاصيين، مستقِلِّين، غير حزبيِّين”.

في تشخيص هذه المعادلة، يتَّضح أَن الناسَ فئتان: فئةُ تابعين وأَزلام ومحاسيب وزحفطونيين وَوُصوليين وانتهازيين وأَغناميين وماسحي جوخ، وفئةُ أَحرار يملكون قرارَهم وحريةَ التفكير والتعبير.

الفئةُ الأُولى لا قيمةَ لها لأَنَّ فيها دُمًى تحرِّكها خيطانٌ خلف ستارة المسرح.

تبقى الفئةُ الثانية التي تضمُّ معظم الناس الجديرين بالـمُواطنية الشجاعة. وهؤلاء يَرَون إِلى “المعادلة الثلاثية” تَمتماتِ نورٍ في آخر النفق:

* حكومة اختصاصيين، يعني أَن يتولَّى الحقيبةَ مَن يكونُ ابنَ بيئتها، مَن يكونُ مِن إقليمٍ خارجَ أَقاليم السياسيين والسياسَوِيين و”بيت بو سياسة”، مَن يكونُ ذا رؤْية خاصة وبرنامجِ عملِ لحقيبته، مَن يكونُ من أَصحاب اختصاصها خبرةً وعملًا ميدانيًّا فعليًّا، مَن يكونُ عمِل طويلًا في تجربتها، لا مَن تَؤُول إِليه الحقيبة بكوتا سياسية أَو مذهبية أَو طائفية أَو محاصصاتية لإِرضاء كتلةٍ أَو تكتُّل.

* حكومة مستقلّين، يعني أَن يتولّى الحقيبةَ مَن يكون ذا شَجاعة في اتخاذِ قرارٍ إِلى طاولة مجلس الوزراء، ويكونُ قرارَه فوريًّا نابعًا من قناعاته وخلفيَّته المعرفية بالقرار، لا أَن يغادرَ جلسة الحكومة كي ينسلَّ خارج القاعة يسأَل زعيمَه السياسي ما يريد زعيمُه أَن يكون القرار تصويتًا أَو اعتراضًا.

* حكومة غير حزبيين يعني أَن يتولَّى الحقيبةَ مَن ليس حَبَّةً في مسبحةِ حزب عقائدي أَو سياسي قد تكون منهجيتُه أَو عقيدتُه أَو تَوَجُّهاتُه متضاربةً مع قناعة وزيره في الحُكْم لكنَّ الوزير مضطرٌّ أَن يتبنَّى قرار الحزب ولو على حساب المصلحة العامة في البلاد لأَن الحزب يفكِّر انتخابيًّا لا استنسابيًّا، فيُضطر وزيرُه لا أَن يرفع يده بل يدَ الحزب في اتخاذ القرار.

إِلى هذه “المعادلة الثلاثية” يتطلَّع الشعبُ اليوم كي يكونَ للوزارة أَداءٌ حكوميٌّ مُقْبل جديدٌ مغايرٌ، يعمَل علْميًّا كما في مختبر عُلُوم، فيركِّز على تحليل كلِّ عملية وحدها ينالُ منها نتائجَ علْميةً دامغةً، أَيًّا تكن، كما نتيجةُ أَيِّ تحليلٍ دامغٍ في مختبر، لا مجال فيها لمساومةٍ أَو مسايرةٍ أَو إِرضاءِ أَحد. عندئِذٍ يرى الشعب أَداءَ الحكومة الجديدة مختلفًا عمَّا يراه اليوم من أَداءِ سُلطةٍ حاكمةٍ متحكِّمةٍ مستَحْكِمة غيرِ حكيمة.

حكومةٌ على هذا المستوى الجِدِّيّ المسؤُول، تكسِر موجةً عامةً تَسري في الناس بأَن الانتخاباتِ النيابيةَ المقبلةَ ستُعيد إِلى ساحة النجمة الوجوهَ ذاتَها والأَسماءَ ذاتَها والبَلادةَ ذاتَها. ذلك أَن الشعبَ الذي جاعَ وافتَقَرَ وعانى وخافَ وهاجر، إِنما جاعَ وافتَقَرَ وعانى وخافَ وهاجر، من جميع مناطق لبنان ولم ينقِذْهُ سياسيُّوه من الجوع والفقر والمعاناة والخوف والهجرة.

هذا هو التغيير الذي تُبَشِّر به، أَو يجب أَن تُبَشِّر به الحكومةُ الجديدة، وعْدًا ساطعًا لمرحلةٍ جديدةٍ من حُكْم لبنان، كي يَنْخَلِعَ عن كراسي الحُكْم من أَوصلُوا الحُكْم إِلى تَنَاسُل الكراسي، فتَجيْءَ إِلى الحُكْم طبقةٌ جديدةٌ تتولَّى إِنهاض لبنان مِن وُحُول الحُكْم الحالي، وإِلّا… إِن لم تأْتِ الحكومةُ المقبلة والانتخاباتُ المقبلة بهذا النهج الجديد، فلا أَملَ لهذا الشعبِ بعدُ وَ… لا… لن أَقولَها، لن أَتجاسر على قَولِها، وسأَبقى إِيجابيًّا، وسأَبقى مُؤْمنًا ببلادي وطاقات شعب بلادي، وسأَبقى مؤْمنًا بِغَدها وخلاصِها، وسأَبقى مُوقنًا ببقاء الرجاء نابضًا أَنْ، بَلى، سيَطلع زهرُ اللوز، وسيشهَقُ بياضُه بحنان النَدى أَنْ تَتَقَطَّرَ حبَّاتُه على بسمةِ الفجر، فَيَطلَعَ الصباحُ نقيًا جديدًا ساطعًا من خلف جبال لبنان.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib