صادمًا كان، وإِن غيرَ مفاجئ، ذاك العنوانُ العريضُ على صدر الصفحة الأُولى من صحيفة “لو فيغارو”: “سقْطةُ لبنان القاسيةُ إِلى الجحيم”، وفي المقال تحليلات اقتصادية علمية موثَّقة تَخْلُصُ إِلى أَن لبنان سائرٌ وصائرٌ إِلى “الصوملة”، أَي إِلى أَسوإِ ما آلت إِليه دولة الصومال.
فهل هذا هو لبنان؟
جريمةٌ مرعبةٌ تقَع في مستودعٍ كان بؤْرةً يتهيَّأُ فيها اغتيال مئات من الشعب اللبناني تَسمُّمًا وضررًا بـمئات فراخ الدجاج الفاسدة الـجاهزة للتوزيع على المحالّ والمطاعم، وأَخذ وزير الاقتصاد وقتَه بالتصريح البارد أَن “الوزارة اتصَلَت بالـمَتاجر طالبةً منها تَلْفَ البضائع، وسنذهب غدًا إِلى تلك الـمَتاجر للكشف عما إِذا كانوا فعلًا أَتلفوها”. “سنَذهب غدًا”، قال السيد الوزير، آخذًا وقته كي يترك الوقت كلَّه لِـمَن يُخفي كي يُخفي، ولِـمن يَختفي كي يَختفي. وقبل أَشهر في إِسـﭙـانيا انكشَفت ذات صباحٍ فضيحةُ صفقة مماثلة من الدجاج الفاسد فاستقال وزير الاقتصاد بعد ساعتَين، وعندنا انكشَفت الجريمة قبل بضعة أَيام وأَخذ الوزير وقتَه الثمين ليُقْدِمَ على سحْب البضاعة لا على انسحابه هو من الحكومة. ربما أَنه، كما فعل قبل أَسابيع، مشغولٌ بتصريح جديد للصحافة العالمية يضيفه إِلى تصريحه قبل أَيامٍ لــ”سكاي نيوز” أَن “لبنان دولة فاشلة على شفير الإِفلاس بسبب إِدارة الاقتصاد في الحكومات السابقة”.
فهل هذا هو لبنان؟
الانهيار يتداعى يومًا بعد يوم ويتداعى المسؤُولون إِلى اجتماعات متواصلة لا يَنسَون التصريح في ختامها بأَنهم مصمِّمون على استقلال القضاء وشفافية المحاسبة ومحاربة الفساد، فلا الفساد انكشَف، ولا اعتُقِل “راجح” واحد، ولا دخَل السجنَ مسؤُول واحدٌ في هذه الدولة الـمَنخورة بالفسَاد، ولا انحسَر قناعٌ واحدٌ عن وجهٍ واحدٍ فاسدٍ فِسِّيدٍ مُفْسِد، كأَنَّ الفساد هنا، والفاسدين في كوكب آخر يمارسون فسادهم راتعين بأَنهم محميُّون بحصانات نيابية ووزارية ورئاسية.
فهل هذا هو لبنان؟
في البيوت عائلاتٌ تَجوع وأَولاد ينامون بلا عشاء، والحكومةُ مشغولة بتشكيلِ لِـجانٍ واستقطاب مستشارين، وبإِصدار قراراتٍ للبحث والتحري وسحب المواد التالفة من التداول ومنع الأَراكيل ومعاقبة حاسري الكمامات، وجميعها تبقى قراراتٍ على الورق بدون تنفيذ ولا متابعة، وكلَّ يوم يسقط قتلى بحوادث السير على طرقاتٍ بلا شرطة سير، وكلَّ يوم حوادث انتحار يأْسًا ولعنةً، وليس مَن يُحاسب وليس مَن يراقب وليس مَن يناوب، وكلَّ يوم تنهار الليرة ويبطش الدولار ويزداد التضخُّم ولا تزال الحكومة تعدُنا متسلِّحةً بحرف السين وكلمة “سوف”.
فهل هذا هو لبنان؟
ما إِن فتَح المطار أَجواء لبنان حتى أَخذ شباب لبنان يتطايرون إِلى أَجواء دُوَلٍ لا تُعيِّن موظَّفيها بالمحاصصة، ولا تختار للوظائف الرئيسة محاسيبَ الزعماء وأَزلامهم، ولا تسبِّق موعد جلسة مجلس الوزراء لتعيين واحدٍ من هؤُلاء المحاسيب فيما المؤَهَّلون الموهوبون من شبابنا يَحزمون حقائبَهم ويغادرون.
فهل هذا هو لبنان؟
كلُّ مجرَّدٍ من الإِنسانية والوطنية، أَيًّا يَكُن موقعُه، في الحكْم أَو في حاشية الحُكَّام أَو في أَذناب الحكُومة، فَلْيُجرِّدْهُ الشعب من جنسيته اللبنانية ومن حقوقه المدنية ومن أَحواله الشخصية، كي لا نظلَّ نسأَل: “هل هذا هو لبنان”، بل كي نقول باعتزازٍ مستعاد: “نعم هذا هو لبنان، لبنانُ الذي يكون جاء زمنٌ بات فيه رجالُ دولة يَبنيها شبابُ لبنانَ الأَنقياء من خارج كل الطقم العَفِن، لبنانُ الذي يكون خرجَ من جحيم الذل واستجداء الحسنة على رصيف الدُوَل، ويكون استعادَ دورَه الريادي الأَول في هذا الشرق، ولم يعُد في حُكْمه وحكوماته إِلَّا فقط… مَن يستحقون لبنان”.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib