“أَزرار” – الحلقة 1117
حرية التعبير والحريات الشخصية
“النـهار” – السبت 18 كانون الثاني 2020

         أَن تُقرِّر منظمةُ الأُونسكو في دورتها السنوية الأَربعين (17-27 تشرين الثاني 2019) تحديدَ الخميس الأَول من تشرين الثاني سنويًّا: “اليوم العالَـميّ لـمكافحة التَنَمُّر” في جميع حالاته: تَـحرُّش، تنكيد، معاكسة، تَهَكُّم، سُخرية، إِزعاج، تمييز، عزْل، مضايقة، مناوشة… بدءًا من القطاع الـمدرسي، يعني أَن هذه الظاهرة بلغت حدًّا يستوجب الـمبادرة إِلى التدبير والـمعالـجة والـمتابعة حتى تشريع الملاحقة القضائية. وانتهاك الحرية الشخصية وحقوق الإِنسان استوجب إِطلاقَ شرعة في الأُمم المتحدة (1948) لزجْر الـمخالفين عن هذا التَــنَــمُّر الفردي أَو الجماعي.

         من الوُجهة الشخصية: حريةُ التنقُّل والـمعتقَد والتفكير والتعبير شفويًّا أَو كتابيًّا، مصانةٌ طالـما لا تؤْذي حرية السوى.

         وما نشهده حاليًّا: انتهاكٌ واضحٌ تلك الحريةَ بالتعدِّي جماعيًّا على حُرُمات وفرديًّا على أَشخاص. وهذا ليس مقبولًا بِاسْم الثورة والرفض والـتمرُّد، كما جرى قبل أَيامٍ بالتعرُّض لسياسيين في أَماكن عامة، أَو للمكلَّف تشكيل الحكومة في حيِّه السكني وإِرعاب أُسرته وأَهل الـحي جميعًا.

         لستُ هنا لآخذ جانب أُولئك السياسيين الذين يستاهلون ما هو أَقسى بعد، إِنما لا بممارسات تنقلب على الـممارِسين وتعطي الـممارَس عليهم تلميعًا (ولو سلبيًّا) ورأْيًا عامًّا (ولو مضلَّلًا).

         مؤْمنٌ أَنا أَن وُلاة هذه السلطة هم الـمسؤُولون عن الانهيار الفاجع الذي بلغناه، وضالعٌ أَنا في تأْجيج الثورة عليهم أَنسالًا وأَعقابًا تَوارثُوا السلطة جُدودًا لأَبناء لأَحفاد، وما زالوا ينكِّلون بشعبنا حتى انفجر في وجوههم القميئة بلا هوادة ولا ضوابط.

         الفرق جليٌّ بين الثوار ومُثيري الشغب، بين المتظاهرين والـمندَسين، بين الأَحرار والـمأْجورين. لكنَّ معاقبة السياسيين – هؤُلاء الفاسدين بالذات – لا تكون في عنتريات طرْدِهم العابر من الشوارع والـمطاعم بل في طرْدِهم النهائي من مجلس النواب في الانتخابات الـمقبلة بإِسقاطهم عن كراسيهم الدهرية وجَعْلهم ينهارون تلقائيًا إِلى النسيان الأَسوَد.

الشعب جاء بهم؟ عال. لكنَّ الشعب اليوم نادم على خطيئَته بإِيصالهم، ولأَنه هو صاحب السلطة يَـحقُّ له أَن يَـخلعهم عن هذه السلطة ويرمي بهم إِلى حضيض الإِهمال إِنما بالوسائل الدستورية ذاتها التي أَوصلهم بها إِلى ساحة النجمة.

         “كلُّن يعني كلُّن”؟ صحيح. وحتمًا. وطبعًا. وأَكيدًا. إِنما لا بِـما يستثير معهم فئةً من الناس (أَزلامهم ومـحاسيبهم وقطعانـهم) وفئةً أُخرى ضدَّهم (تَــنَــمُّر التعرُّض لهم في الأَماكن العامة) بل بـما هو أَقسى: عزْلهم الانتخابي الطاغي عن ساحة النجمة بـمَحْو أَسـمائهم من صناديق الاقتراع، واستبدالها بـمَن يستاهلون أَن يشكِّلوا لبنان الجديدَ الجديرَ بافتتاح الـمئوية الثانية لدولة لبنان الكبير فينتفضوا على حُكْم الزبائنيات والـمحسوبيات والاستزلاميات القطعانية، مؤَسسين دولةَ الـمَواهب لا الـمَذاهب، واضعين أُسُسًا لدولة علمانية تحترم الأَديان داخل أَماكن العبادة لا في شرايين السياسة، ودولة الأَكفياء بقدراتهم الـمهنية والعلْمية، مَـنْ لهم وحدهم ننحني مُنشدين للبنان اللبناني: “كلُّنا للوطن”.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib