“نقطة على الحرف” – الحلقة 1446
البيت يتَهَدَّم و”هُمْ” يتفرَّجون
الأَحـد 12 كانون الثاني 2020

أَسرعُ ما على الحكْم أَن يَهْرَع إِليه عند وقوع كارثة في البلاد: تشكيلُ خليةِ أَزمة، أَو هيئةِ طوارئ، أَو لجنةِ إِنقاذ.

قلتُ “وقوع كارثة”، فكيف إِذا كانت البلاد كلُّها بركانَ كوارث بدأَ ينفجر مطلقًا حممَه القاتلة على البلاد بـما فيها ومن فيها؟

لا خُطَّةَ نهوض؟ فهمناها. لا تدابيرَ مسبقةً لاستدراك ما قد يحصل؟ فهمناها. لا رؤْيةَ للحكْم لأَيِّ قطاع في البلاد؟ فهمناها.

ولكنْ… أَن تغرق السفينة، وفي مقصورة القيادة غافلون أَو مستغفِلون أَو مستغفَلون أَو مغفِّلون، فهذه أَبدًا ما فهمناها.

غرِقَ لبنان بالفيضانات، ولم يتحرك أَحد. احترق لبنان أَحراجًا وبساتينَ وغاباتٍ رمَّدت هياكل متفحِّمة، ولم يتحرك أَحد. بُـحَّت أَصوات الناس في الشوارع والساحات، مناداةً بـحقوقٍ واستغاثاتٍ من فواجع، ولم يلاقِهم من الحكْم صوت واحد.

حتى انفجر صوت سيِّد بكركي بكل غضب: “البيت يَتَهَدَّم، ونحن نتفرج عليه”. أَطلقَها البطريرك الراعي عند يقينه أَن البيت يَتَهَدَّم ولم يتحرك أَحدٌ من المفترض أَنهم مسؤُولون عن الشعب الذي جعلَهم مسؤُولين فخانوا المسؤُولية أَو عجِزوا عن موجباتها.

قطَاع المصارف ضاقَ وضَيَّق على الـمُوْدِعين، ولم يتحرَّك أَحد.

المستشفيات تُنذِر، الـمدارس تُنذِر، القطاعات المهنية والسياحية والاقتصادية والصناعية والتجارية تُنذِر، ولم يتحرَّك أَحد.

البيتُ يَتَهَدَّم، والمسؤُولون آخذون وقتَهم في الدلع السياسي والنكَد السياسي والتصايُح السياسي، كأَن البلاد بأَلف خير.

البيتُ يَتَهَدَّم، والمسؤُولون مشغولون بتَقَاسُم الحقائب الوزارية والتمسُّك بها كأَنَّ هذه وزارةٌ مسجَّلةٌ باسم طائفة أَو مذهب، وتلك وزارةٌ مسجَّلةٌ باسم حزب أَو تيار، وتلك وزارة ثانويةٌ يرفضونها، وتلك وزارةٌ سيادية وازنة يطالبون بها، كأَن البلاد بأَلف خير.

البيتُ يَتَهَدَّم والمسؤُولون آخذون وقتَهم باختيار الحصص، والمطالَبَة بحقوق طوائفهم، وتأْمين الثُلث الـمُعطِّل، والوعد بتشكيل حكومةٍ عندما يرضى الجميع عن حصصهم كأَن البلاد جمعيةٌ خيريةٌ لتوزيع الحصص.

البيتُ يَتَهَدَّم والمسؤُولون ما زالوا يفكرون في وضْع “معايـير” للحكومة العتيدة بين “سياسية” و”تكنوسياسية” و”حكومة اختصاصيين” و”حكومة مستقلين”.

البيتُ يَتَهَدَّم ولم نَعُدْ نعرف مَن يشكِّل متى، وإِن لم يكن فلانٌ في الوزارة فأَحدٌ من فريقه السياسي.

البيتُ يَتَهَدَّم وفي المشهد رئيسُ حكومةٍ مكلَّفٌ واقفٌ على رصيف الانتظار حاملٌ سلَّةً كي يضع فيها المسؤُولون أَسماءَ مرشَّحيهم مع فرض الحقيبة الوزارية الـمحددة، وحَذارِ حَذارِ أَن تكون حقيبةً غير وازنة أَو غير سيادية.

البيتُ يَتَهَدَّم، وجميعهم يَضعون رؤُوسهم في الرمل ويتَّهمون السِوى و”يستعجلون” تشكيل الحكومة “لأَنَّ الوضع لم يعد يَحتمل”.

البيتُ يَتَهَدَّم، وفي غُرَف الناس خوف وجوع وفقر وقلق وأَرق، وليس من يتحرَّك.

البيتُ يَتَهَدَّم، ولا خُطةَ طوارئ، ولا خليةَ أَزمة، ولا هيئةَ طوارئ، ولا لجنةَ إِنقاذ.

البيتُ يَتَهَدَّم، والـمسؤُولون “مرتا… مرتا”… لكنَّ نار سَدوم ستَبْلُغُهُم وتُرمِّدُهم هياكلَ تأْنف منها حتى الهياكلُ العظمية.

          “البيتُ يَتَهَدَّم ونحن نتفرج عليه”؟ صحيح، أَيها السيِّد البطريرك، لكنَّ يومًا آتيًا، لم يَعُد بعيدًا، سَنَتَفَرَّجُ فيه لا على احتراق البيت بل على احتراق مسبِّبـي الحريق، ولن يَدعَ الشعب لِـهُروبهم أَيَّ منفَذٍ للنجاة.

          ولن يكون في البيت الناجي مكانٌ إِلَّا لِـمَن يَستحقُّون فعلًا أَن يُعطى لهم قبسٌ من مَـجد لبنان.   

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib