من نـبْل الـمَقاصد إِلى نُوبل الاقتصاد يتجلَّى التكرُّس العلمي بين الــ”نُــبْــل” والـ”نُوبل” دلالةً على أَهمية الأَبحاث الـمخبرية والـميدانية في تطوير البشرية نحو حياةٍ أَفضل.
بـهذا المنطق منحَت الأَكاديميا السويدية جائزةَ نوبل للاقتصاد ثلاثةَ علماء: الهندي أَبيجيت بانِرجيAbhijit Banerjee وزوجتَه الفرنسية إِستير دوفلو Esther Duflo والأَميركي مايكل كريـمر Michael Kremerعلى ما أَنتجتْه أَبحاثُهم من حلول للحدِّ من الفقر في العالم. وفي تبرير منْحهم الجائزة أَنهم “أَدخلوا مقارباتٍ جديدةً تُوصل إِلى أَفضل الوسائل لتحسين وسائط العيش لدى فقراء العالم كي ينالوا حقهم في الحياة الكريمة”.
عن تقرير البنك الدولي أَن نحو 700 مليون شخص في العالم يعيشون دون مستويات الفقر، وفي تقرير الأُمم المتحدة أَن شخصًا بين كل عشرة في البلدان النامية لا يزال دخله دون الدولارين يوميًا.
اللافت في أَبحاث أُولئك الثلاثة الفائزين أَنها عالجت قطاعات تبدو للكثيرين بعيدةً نظريًّا عن مساق الاقتصاد. فالأَميركي كريمر (أُستاذ في جامعة هارﭬـرد) يعمل منذ أَواخر القرن الماضي في “تجارب ميدانية على مبادراتٍ من شأْنها تحسين النتائج المدرسية”. وإِستير دوفلو (أُستاذة الاقتصاد في معهد ماساشوستس للتكنولوجياIMT حيث زوجُها أَيضًا) كانت مستشارة الرئيس أُوباما وعضو اللجنة الحكومية للتنمية العالمية. وبانِرجي وزوجته دوفلو يعملان منذ سنوات طويلة على مكافحة الفقر بمنهجية قامت على تجارب أَدَّت خلال عقدَين فقط إِلى تحوُّلات جوهرية في تنميةٍ اقتصادية هي اليوم حقل خصيب للاختبار، استنادًا إِلى معايير علمية لـمعالجة مشكلاتٍ أَوليةٍ منها: دراسةُ النقص في الكتب المدرسية، أَو النقصُ في عدد المعلمين، أَو تحسينُ المهارات في الرياضيات وسائر العلوم، والـحَثُّ على القراءة في الصفوف الابتدائية. ويرى الزوجان ضرورة تحرير التجارة في الدول الفقيرة، وإِنشاء برامج تعليم عصرية، ودفع الحكومات إِلى زيادة التمويل المخصَّص للعلاج الوقائي. فغالبًا ما يتولى هذه الشؤُونَ في الحكومات سياسيون غيرُ اختصاصيين لا يذهبون إِلى الجذور العميقة لمشاكل الفقر ونتائجه والفقراء وظروفهم.
هذه العناصر وسواها تُسهم في تحسين الاقتصاد التنموي، وفي تخفيض معدَّلات الفقر في العالم بجميع أَشكال الفقر ومظاهره. وكل ذلك على أُسس علمية يعالجها كتاب الزوجَين بانِرجي ودوفلو “اقتصاد الفقراء – إِعادة نظر في أَساليب مكافحة الفقر”، خلاصتُه أَن “الدول الفقيرة ليست التي تعاني من الفقر بل التي يتحكَّم بحُكَّامها مثلَّثُ الجهل والإِيديولوجيا والجمود، يليه سوءُ الإِدارة في معالجة الحالات الاقتصادية والمالية مسبِّباتٍ ونتائج”.
هنا إِذًا أَلِفْباءُ الحكْم في كل دولة: أَن يتكوَّن جهاز حكَّامها (رؤَساء ووزراء ومشرِّعين) من اختصاصيين فعلًا (إِذًا ليسوا جَهَلَة)، ومستقلِّين فعلًا (إِذًا ليسوا أَتباعَ سياسيين وإِيديولوجيين ومؤَدلَـجين)، وديناميين فعلًا (إِذًا ليسوا مكبَّلين بجمود الـمُحاصصات الـمُسيَّسة أَو الـمُمَذْهَبة أَو الطائفية).
وخلافُ ذلك يؤَدي حتمًا إِلى ما بلغَه اليوم فشلُ الحكَّام في لبنان.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib