أَعطتْها وزارةُ العمل 3 دقائق فقط لتلخِّص أَبرز إِنجازاتها في الذكرى الثانية لتَوَلِّيها رئاسةَ الحكومة قبل سنتين (26/10/2017). بكل هدوءٍ صافٍ، وبدون أَيِّ تأْتأَةٍ أَو تَعَثُّر، وبعبارات يفصل بينها تنفُّسٌ مُتلاهِث، وبسرعةِ مَن حفظَت نصًّا كي تؤَدِّيه، استعرضَت بعضَ (لا كلَّ) ما أَنجزتْهُ حكومتها خلال 24 شهرًا، فإِذا هو: تأْمينُ زيارات طبية شبه مجانية لنصف مليون مواطن، مساعداتٌ مالية لـمؤَسسات الرعاية الاجتماعية، زيادةُ رواتب المعلِّمين والممرِّضين ورجال الشرطة، بناءُ 2200 مسكن للفقراء، إِنقاذُ 50 أَلف مواطن تحت خط الفقر، زيادةُ مداخيل 384 أَلف أُسرة، إِيجادُ 92 أَلف فرصة عمَل، توسيعُ شبكة الطرقات وتحسينُ أَداء النقل المشترك والمواصلات، زرعُ 140 مليون شجرة، عقوباتٌ صارمة للتحرُّش الجنسي، تنظيفُ مجاري الأَنهر والسواقي، منْعُ التدخين في سيارات تقلُّ أَطفالًا، تمويلُ خدمات معالجة السرطان، دعمُ استشارات طبية للمواطنين، تعيينُ 2000 طبيب وممرض في المستشفيات، رفْعُ الحد الأَدنـى للأُجور، بلوغُ أَدنى نسبة بطالة منذ 11 سنة، تشييدُ أَبنية مدرسية لنحو 100 أَلف تلميذ، تعيينُ 1607 رجال شرطة، تدريسُ تاريخ البلاد في جميع المدارس.
هذا “بعضُ البعض” وأُشيحُ عن سرد الباقي. وحين تنفَّسَت ختامًا كان مَرَّ على سَرْدها أَمام الكاميرا دقيقتان و56 ثانية (قبْل أَربع ثوان من الوقت الـمعطى لها).
لا داعٍ للتعليق: الوقائِع والأَرقام أَبلَغُ من أَيِّ تعليق على ظاهرة أَصغر رئيسة وزراء في العالم جاسيندا آرْدِرْنْ (39 سنة) ذات الرقم 40 لرئاسة حكومة نيوزيلندا، بلاد الخمسة ملايين نسمة على 268 أَلف كلم مربع.
هذا يعني أَنَّ تحقيقَ هذه الإِنجازات في سنتَين استلزمَ عملًا يوميًّا مع فريق وزراء ومديرين وموظَّفين، بدون عُطَل ولا تعطيل، وبدون مظاهر الفخامة في الأَلقاب والمناصب والمرافقين ومَواكب الـمُواكبة والسيارات الداكنةِ الزُجاج والـمَكاتب الإِعلامية وجيش معاونين وسكرتيرات ومستشارين، وبدون اعتكاف لأَدنَـى حَــرَد أَو مزاج وعَــرْضْحَالات وصدور منفوخة ورُؤُوس مرفوخة.
وهذا يعني أَنَّ أَهل الحكم هُم الذين في خدمة المواطن وليس المواطن في خدمتهم.
وهذا يعني أَنَّ الإِنتاجَ ثمرةُ موظَّفين ذوي كفاءَات وليسوا أَزلامَ السياسيين ولا مَـحاسيبَهم ولا أَنسباءَهم ولا من أَهل القصر أَو البلاط والأُسرة الحاكمة، ولم يدخلوا الشأْن العام ببطاقات توصية.
وهذا يعني أَنَّ البلاد يَـحكُمها المؤَهَّلون الـمترسِّلون لا حفنة سياسيين مَعدُودين يتحكَّمون بها جيلًا إِقطاعيًا بعد جيل إِقطاعي فينشأُ الـمُواطنون جيلًا بعد جيلٍ على رؤْية السياسيين إِياهم كأَنَّ البلاد مزرعَــتُـهم أَو اصْطَـــبْــلُــهم الشخصي.
وهذا يعني أَنَّ الحكْم تداوُلُ مسؤُوليةٍ وليس بقاءً خالدًا أَبديًّا على كرسيِّ الحكْم سنواتٍ بعد سنوات، وأَنَّ الحكْم ليس وراثيًّا ولا لتوريث الأَبناء والأَصهار وأَفراد العائلة.
وهذا يعني أَنَّ الحكْم هبَةٌ من الشعب وليس هبَةً من الله.
هـنـري زغـيـب