حين أُتابع نشرة الأَخبار على أَيِّ محطةٍ فرنسية، أَرى الـمُذيع يقرأُ في الخبر “إِيـمانويل ماكرون”، وفي سياق الخبر “الرئيس ماكرون” وينتهي الأَمر. وحين أَتابع نشرة “سي إِنْ إِنْ” أَو سواها، تورِد الـمُذيعة “دونالد تْــرَمْـپ”، وفي سياق الخبر قد تزيد “الرئيس تْــرَمْـپ”.
وحين أُتابع نشرات الأَخبار المحلية عندنا، يصرف المذيعون والمذيعات نصف وقتنا في إِغداق الأَلقاب على المسؤُولين أَصحاب الفخامة والدولة والسعادة والسماحة والسيادة، حتى إِذا نَفَرَ واحدٌ من مُـمثِّليهم أَو زوَّارهم، يأْبى أَن يتلفَّظ باسمهم الكريم، وفي كل مرة ولو ورَدَ ذكره عشر مرات في تصريحه، إِلَّا ويُسبِقُه بلقب “صاحب الفخامة” أَو “دولة الرئيس” أَو “معالي الوزير” أَو “سعادة النائب” حتى ليصبح ذلك كاريكاتوريًّا من كثرة “الشَدِّ” على اللقَب بشكل بَــبَّــغاويّ.
في التعبير الغربي الشائع أَنَّ المسؤُول السياسي هو “خادم عام” (Public Servant) انتخبَه الشعب أَو ممثلو الشعب كي يكون هو في خدمتِهم لا أَن يكونوا هُم في خدمته زاحفين بالأَلقاب على أَعتابه وقَدَمَيه.
في أَربعة قرونِ السَلطنة العثمانية وتاليًا في عَقْدَي الانتداب، كانت سائدةً عباراتُ التبجيل من طراز “فخامَتْلو” و”دَوْلَتْلو” و”سعادَتْلو” و”الباشا” و”البَيك” و”الأَفندم”. وحين أَشرقَ فجر الاستقلال زال الانتداب وقبلَه الباب العالي وبقيَت تَتَجَرجَر أَلقابٌ عثمانية ما زالت تواجهنا حتى اليوم في الإِعلام ومن أَزلام السادة المسؤُولين ومَـحاسيبهم وموظَّفيهم ومُـمثِّليهم وأَتباعهم بـمستوى وبدون مستوى.
في مَـحفوظاتي الصحافية أَنَّ قرارًا رقمه 97/36 صدَر بتاريخ 16 تشرين الأَوّل 1997 على عهد الرئيس الياس هراوي بتوقيع رئيس الحكومة رفيق الحريري، قضى بإِلغاء أَلقاب “فخامة” و”دولة” و”معالي” و”سعادة” واستبدالها بــ”السيد” (الرائج عربيًّا لِلَقب “مسيو” و”مستر” بالأَجنبية) أَو “الأُستاذ” (مع أَنّ هذه الكلمة تنطبق تحديدًا على الـمُحامين).
ولا يُكتفى باللقب إِبَّان الخدمة العامة، بل تبقى الأَلقاب تلاحقنا “فخامةً” و”دولةً” و”معالِـــيَ” و”سعادةً” حتى بعدما يغادر المسؤُول مقعده السياسي ويُـمْسي “السابق” ويظلُّ يُنعَمُ عليه باللقب قبل اسمه الـمُبَجَّل.
هذا الأَمر يَـحصل في بلدان توتاليتارية يكون فيها القائدُ قائدًا أَوحد، والزعيمُ زعيمًا مدى الحياة، والحاكمُ رابضًا على رؤُوس الشعب شاءَ أَو (إِذا تجاسَر) أَبـى، وتتوزَّع أَسماؤُهم على شوارع الـمُدن والقرى والدساكر، وتتوزَّع تَـماثيلُهم شامِـخةً في الساحات والأَزقَّة، إِلَّا إِذا صار ما صار وانقلبَ الزمن فتُصبح التماثيل تحت دعس الأَقدام الغاضبة انتقامًا.
لكننا، حتى إِشعار آخَر، لسنا في مزاج التوتاليتاريا السياسية. لذلك فَلْنَرتَفِع عن تَـخَلُّف هذا العالم الثالث، وَلْــنُـسَــمِّ السياسيين بأَسمائهم بدون تفخيم منفوخ وتعظيم كاريكاتوري، لأَنهم موظَّفون عند الشعب، والشعب أَوصلهم لأَشخاصهم لا لأَلقابهم.
مجلس الوزراء في بيت الدين، الخميس أَوَّل من أَمس، جدَّد الطلب (القرار رقم 5 تاريخ 2019/8/22)، بقي التطبيق، وإِلَّا سيبقى القرار حبرًا على ورق، وينتقل قرار تطبيقه من حكومة إِلى حكومة، ومن قَرنٍ إِلى قَرن.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib