الثلثاء الـماضي من هذا الأُسبوع، في الثالث عشَر من هذا الشهر، احتفلَت هُولِــيــوُود بالذكرى العشرين بعد الـمئَة لولادة الـمُخرج البريطاني أَلفرد هيتشكُوك الذي غذَّى نتاجَها بعشرات أَفلامٍ تَـمَيَّزَت وميَّزَتْه بلحظات الإِثارة والخوف والتشويق والرعب في كتابٍة سينمائية ذكية تابَعَها ملايينُ مَن شاهدوها وتركَت في نفوسهم ذكرى دامغة.
أَذكُر الآنَ هذه الـمناسبة عن أَفلام شبهِ سنويةٍ لِـهيتشكُوك وما فيها من إِثارة وخوفٍ ورُعب، لأَتوقَّفَ عند شعبنا الذي يعاني يوميًّا من إِثارةٍ وخوفٍ ورُعبٍ حتى لتغدو حياته اليومية على شفير هوةٍ جهنَّمية يتهدَّدُها الرُعب:
الرُعب من أَلَّا تجتمعَ الحكومة لسببٍ جاهزٍ كلَّ يوم، والرُعب من أَن تجتمعَ ويفَجِّرَها وزراؤُها من الداخل فيطيحُوها وهيهاتِ هيهاتِ أَن تتشكَّل أُخرى فَتَتَجَمَّدَ حياةٌ سياسيةٌ اعتادت فراغات الرئاسة الأُولى والثانية والثالثة وكأَن شيئًا لا يكون.
الرُعب من أَن تحلو لسياسيٍّ زيارةُ منطقة في لبنان وأَن تنتهي الزيارة بسقوط شهداء أَو جرحى أَو ورقة التين عن نظامٍ هشٍّ كرتونِـيٍّ تتحكَّم به إِقطاعاتٌ مذهبية دينية طائفية تتقاسم الدولةَ مناطقيًّا وشرائعَ إِلهيَّةً تنزَع عن الدولة هيبتَها ووحدتَها الـمركزية.
الرُعب من انقطاع التيار الكهربائي، وهو بات عاديًّا إِلَّا إِذا انقطع معه الـمُوَلِّد فيتوقفُ عملُ الموظف والعامل والـمهني وربة البيت.
الرُعب من وصول السياح الأَكارم والمغتربين الأَعزاء إِلى “لبنان يا قطعة سما” وارتطامِ أُنوفهم منذ الـمطار بروائح “كوستا براﭬـا”، وامتدادًا إِلى برج حمود، بلوغًا أَقصى الشمال، وعلى طول الطرقات براميل نفايات وأَكياس قُمامة تنشرُ عوارض الأَمراض والجراثيم وتدلُّ على عجز حكومةٍ تطرح الصوت على كلِّ مَن عنده حلول فَلْيَتَفَضَّل بها مشكورًا.
الرُعب من السير ليلًا في طرقاتٍ معتِمةٍ خاليةٍ من الإِنارة والـمُراقبة ومن شرطة السير، ومأْساتها نهارًا أَن الرادارات ظاهرةٌ بشكل استعراضي يتحاشاها السائقون حتى إِذا تجاوزُوها عادوا إِلى انفلاتهم الأَرعن.
الرُعب من التخرُّج الجامعي وانسداد أَبواب العمل، والرُعب من التقدُّم إِلى امتحانٍ لدى مجلس الخدمة الـمدنية تُطيحه تدخُّلات سياسية معيارُها الـمذهب لا الكفاءَة، والرُعب التالي حزْمُ طلابِنا حقائبَهم وهرَعُهم إِلى أَوَّل طائرة تُقِلُّهم إِلى أَوَّل بلادٍ فيها نظامٌ تفرضُه دولة حازمة.
الرُعب من أَن يصدُرَ الحكْم على الأَعمال الفنية عن الشريعة الإِلهية وممثِّليها على الأَرض لا عن الأَمن العام ولا عن شرائع الدولة وقوانينِها.
الرُعب من فصل الشتاء الآتي علينا وما يحملُه من كوارثَ وويلاتٍ ومصائبَ لأَن الجهةَ الـمعنيةَ صيفيةٌ بطبيعتها كالصرار الذي يغنِّي طوال الصيف حتى إِذا جاء الشتاء حلَّت عليه الكارثة.
الرُعب من رعبٍ مجهولٍ يستيقظ اللبناني عليه صباحَ كلِّ يومٍ ويترقَّب مرعوبًا أَيَّ رُعب سيطالعه خلال النهار.
فتشتُ في القواميس عن جَـمعٍ للرُعب فلم أَجد، لكثرة ما شعبُ لبنان يعاني من جُـموع الرُعب “رعَاعِبَ” أَو “رَعاعِيب”.
فيا حضرة السير أَلفرد هيتشكُوك: أُعذُرنا إِن أَزعجناكَ في ذكرى ميلادك العشرين بعد الـمئَة، فنحن بعد الـمئَة من استقلال دولة لبنان الكبير، نَــبُـزُّ أَفلامكَ إِثارةً ورُعبًا في وطنٍ حين استقالَ منه جبران لم يَسْتَقِلْ عن لبنان الأَرض والشعب والكيان بل عن لبنان الدولة التي “تَــعَــثْــمَــنَــت” أَربعة قُرُون وما زالت قُرُونها “تَــتَــعَــثْــمَــنُ” زبائنيًّا بِــزُعمائِها وأَبوابِههم العالية أَين منها زبانيةُ عبدالحميد وبابُه العالي.
هـنـري زغـيـب