في التعاليم الدينية أَنَّ البشر من طينةٍ واحدة أَيًّا يكن لونهم أَو عِرقُهم: “أَيُّها الناس إِنَّ ربَّكم واحد… لا فضلَ لعربي على أَعجمي، ولا لأَعجمي على عربي، ولا لأَحمر على أَسود، إِلا بالتقوى” (الرَسول العربي، حجّةُ الوداع) و”كي يكونوا جميعُهم واحدًا ومكمَّلين في واحد، فيكونَ فيهم الحب الذي أَحببتَني به” (الـمسيح، إِنجيل يوحنا، الفصل 17).
وفي التعاليم الدنيوية أَنَّ “البشر سواسيةٌ جميعًا”: الأُمم الـمتحدة، وثيقة حقوق الإِنسان (10/9/1948). وفي شرعة منظمة الأُونسكو: “وحدة الجنس البشري في جوهره، والـمساواة الأَصيلة بين جميع الناس والشعوب. والجماعات الإِنسانية كافة، أَيًّا يكُن تركيبُها أَو أَصلُها الإِثنيُّ، تُسْهم في تَقَدُّم حضارات وثقافات تُشكِّل بِـتَعَدُّدها وتَداخُلها تراثَ الإِنسانية الـمشترك” (مؤْتمر ﭘـاريس25/10/ 1978).
غير أَن في الحُكَّام مَن يُطيح هذه التعاليم و”يرتكب” التميـيز العُنصري. مثالًا لا حصرًا: الرئيس الأَميركي دونالد ترامـپ يَدَّعي أَنه “غير عُنصري” ومع ذلك، قبل أَسابيع، خاطب أَربع سيِّدات ديمقراطيات في الكونغرس من أَصول أَفريقية ودعاهُنَّ “للعودة إِلى بلادِهِنَّ الأُمّ” ما أَثار غضبَ الـملايين، بينهم أُسقف سان أَنطونيو-تكساس الذي اتَّهَم ترامـپ مباشرةً بــ”الحقْد الأَسوَد والعُنصرية”. واندلع الغضبُ أَشدَّ هذا الأُسبوع لدى انتشار “صورة العار”: شرطيَّان أَبيضان في مدينة غالْــﭭِـستون (تكساس) مُـمْتَطِــيَـان حصانَيْهما، بينهما شابٌّ من أُصول أَفريقية أَوثَقَا يديه خلْف ظهره، يَـجُرَّانه بالحبْل كأَنه بهيمة، ما أَعاد إِلى الأَذهان تاريخ العنف والاستعباد والرقِّ والتمييز العُنصريّ ضدَّ الأَميركيين الأَفارقة زمنَ العزْل العُنصري (أَلغاه أَبرَهام لنكولن سنة 1862).
ومع إِصرار ترامـپ، في غير مناسبة، على أَنه “أَقلُّ الناس عنصريةً”، يتمظهر ميدانيًّا عكس ذلك. رأْس الدولة حين يُطْلِق، هو أَو أَحد حاشيَته، خُطَــبًا عُنصرية، تنقلب مُؤْذيةً حُكْمَهُ وشعبَه، وتؤَدِّي غالبًا إِلى تصرُّفاتٍ مؤْذيةٍ وأَحداثٍ فئويةٍ في البلاد.
شرطُ رأْس الدولة أَن يَعْدِلَ في شعبه أَيًّا يكن مصدَرُ وُصوله إِلى الحكْم، فيتجاوزَ هذا الـمصدر ويكونَ حاميًا حقوقَ شعبه فلا ينزلق إِلى مواقف تجعله طرَفًا – إِذًا ضعيفًا -، ولا ينفعل انتصارًا إِلى أَحدٍ من جماعته فيصبح فريقًا – إِذًا ضعيفًا – ولا يرتجل تصاريح تُصوِّب إِليه ارتدادًا قاسيًا مِـمَّن يرشقونه بتُهمٍ تَـجعله مدافعًا عنها – إِذًا ضعيفًا -. ومتى بدأَ أَحدٌ بالتصويب عليه أَخذَ آخرُ يصوِّب وبعدَه آخَرون، فيُمسي شخصُه ضعيفًا، وحُكْمُه ضعيفًا، وسلطانُه ضعيفًا، وينتهي كرجل القَشِّ الذي لَـم تَعُد تَـهابُهُ العصافير.
وعلى غرار ترامـپ: كلُّ رأْس دولةٍ يُتيح أَن يَرشقَه سهمٌ صارخٌ واحد، تنصَبُّ عليه مئَاتُ الأَسهم الصاخبة. والتي كان يظنُّها حفنةَ ثلجٍ وتَذوب، سرعانَ ما تُصبح جاروفةً ثلجيَّةً هائلةً تُطيحه هو، وحاشيتَه، وكُلَّ بِطانته.
هـنـري زغـيـب