“نقطة على الحرف” – الحلقة 1424
تطبيقُ القانون لا يكونُ بالتَرَاضي
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 11 آب 2019

“لأَن الإِصاباتِ الناتجةَ عن حوادث السير ذاتُ كُلْفة اقتصادية واجتماعية عالية، ولأَن العاملين في القطاع العام – وهم مجموعة واسعة من اللبنانيين – يجب أَن يكونوا قُدوةً لسائر الـمواطنين في شتى الـميادين، يُطلَبُ إِلى جميع الإِدارات العامة والـمؤَسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والـمجالس والهيئات والـمصالح الـمستقلة وجميع القوى الأَمنية والعسكرية، ضرورةُ إِرشادِ الـموظفين والعاملين لديهم، وتوجيهِهِم لاحترام متطلِّباتِ السلامة الـمرورية وأَحكامِ قانون السير، وتكليفُ موظَّف من كل إِدارةٍ للتنسيق مع الـمجلس الوطني للسلامة الـمرورية بما يضمن تطبيقَ أَحكام القوانين والأَنظمة الـمتعلِّقة بالسلامة الـمرورية – بيروت في 1 آب 2019”.

بهذا الوُضوح صدرَ التعميم رقم 24/2019 بتوقيع رئيس مجلس الوزراء.

قلتُ “بِـهذا الوُضُوح” ولستُ أَدري إِلى أَيِّ حَدٍّ سيكون هذا الوُضُوح “واضحًا” لدى الـمعنيين أَوَّلًا في القطاع العام، لا بمعنى استيعابه بل بمعنى تطبيقه بهذا الـحَزْمِ الـمطلوبِ في التعميم.

ليت مشكلة حوادث السير تُـحَلُّ ولو جُزئيًا بعد هذا التعميم، ولكن…

هل هي فقط أَن ينسِّق موظفٌ في القطاع العام مع الـمجلس الوطني للسلامة الـمرورية كي تُـحَلَّ الـمشكلة؟

يقينًا لا. الـمشكة في مكان آخر. الـمشكلة في قلة أَخلاق بعض السائقين الذين يطيحون كلَّ قاعدة سُلُوكية قبل أَن يطيحوا قانون السير. والـمشكلة في بعض شرطيـي السير الواقفين ديكورًا على طرَف الطريق يتحدَّثون بالـخَلَوي أَو يضجَرون أَو ينعَسون ولا ينتبهون إِلى ما يجري على الطريق، لا مَـحضرَ ضبطٍ يسطِّرون في سائق بدون حزام الأَمان، ولا في سائق يتواقح باجتياز الضوء الأَحمر، ولا في دَبُّور من دبابير الدرَّاجات النارية يتسلل بين السيارات ولا يتوقَّف عند أَيِّ ضوء أَحمر. الـمشكلة في طرقات كانت فيها حفرٌ  فباتت فيها آبار. الـمشكلة في فَلَتان على طرقات الليل حتى لـيُـمسي الخروج على الطرقات العامة خطرًا حقيقيًّا من سرعةٍ جنونية لا ضابطَ لها ولا رقيب.

تعميمُ رئيس الحكومة صالِـحٌ في بلدٍ يَعرف فيه الجميع قوانينَ السير وقواعدَ السلامة الـمرورية ويُطَبِّقونها. فما الذي يَستطيعُهُ تعميمٌ مكتوبٌ على الورق، مقروءٌ على الورق، يحتويه جارورُ موظّفٍ مليءٌ بتعاميم الورق؟

حضاريٌّ جدًّا هذا التعميم، صادرٌ لبلدٍ حضاري، ولكن… ما مفعولُه في بلدٍ بات غابةً مُـخيفةً من مُـخالفين مُـفلتين من كل ضبْط وكل نظام، فلا وازعَ ولا حزمَ ولا حسْمَ ولا عزْمَ على تطبيق أَبسط بنود القانون؟

الـمشكلة ليست في إِصدار التعاميم بل في  إِصدار الأَوامر: أَوامر تطبيق التعميم بِـحَزْم، بصرامة، بِـمحاضر ضبْط موجعة، بِإِمكان توقيف السائق الأَرعن من دون خوفِ الشرطيِّ أَن يواجهَه هذا الأَرعن بعبارة “اعرَف مع مين عمتحكي”.

أَيُّ تعميم لقِيَ تطبيقًا وارتدع عنه الـمخالفُون؟ هل قانون منع التدخين رَدَعَ الـمدخِّنين عن توزيع ميكروبات سجائرهم وأَراكيلهم في الـمطاعم؟ هل سُجِّلَ محضرُ ضبْط واحدٌ بِـمدخِّن واحد أَو بصاحب مطعم واحد؟

مُـهِـمٌّ جدًّا أَن يُصدِر الـمسؤُول تعاميمَ رادعةً، لكن الأَهمَّ أَن يرفِدَها بإِجراءاتٍ تتيحُ قْدرةَ تطبيقٍ تَردَع الـمخالفين عن قلَّة أَخلاقهم.

قِلَّةُ الأَخلاق لا يداويها كلامٌ بل حزمٌ في الصفْع والردْع والـمنْع. وتطبيقُ القانون يكونُ بالـحَزْم الـمانِع لا بالتراضي الـمائِع.

هكذا الدوَل الحازمة الـمانعة تضبط قلَّة الأَخلاق بقوانينَ وتعاميمَ وقراراتٍ ما إِنْ تُصدرُها حتى تُعمِّمَ تدابيرَ تطبيقِها فيرتدعَ معظمُ الـمواطنين ويكونَ مُرًّا وقاسيًا عقابُ الـمخالفين.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib