“أَزرار” – الحلقة 1092
تَــوَحَّدتْ على مِــقْــوَد دَرَّاجة
“النهار”  –  السبت 13 تـمُّـوز 2019

         في فرنسا هذه الأَيَّام، كما في تموز كلَّ سنة، مسابقةٌ رياضيةٌ أَطْلقَها هنري دُغْرانج سنة 1903 دَرَّاجاتٍ هوائيةً تَعبُر قُــرًى ومُدُنًا في مناطقَ من البلاد، فيَخرُج الأَهالي إِلى استقبال الدَرَّاجين وتَـحِـيَّتهم وتكريمهم حين في البلدة محطةُ استراحةٍ قبل مواصلة الدورة.

          هذه السنة، في الدورة الحالية طوال هذا الشهر، تُتابع المسابقةَ كاميراتُ التلـﭭـزيون في بَــثٍّ مباشِر ينتقل مع الدرَّاجين في أُوكسيتانيا (منطقة في جنوب فرنسا عاصمتُها تولوز) تزيَّــنَت قراها وبلداتها شوارعَ ودساكرَ بالأَلوان والأَشكال والرُموز، سعيًا إِلى جذْب كاميرات التلـﭭـزيون كي تلتقط تَنافُسَ الزينات وفرحَ الأَهالي وكرمَهم، وما استعدُّوا له وما هيأُوا لتقديمه إِلى مئات الدَرَّاجين، فإِذا المنطقةُ كلُّها في عيدٍ  تعيشُهُ احتفالًا يُفْرح الكبار والصغار: تَتَـهَـيَّـأُ القرى والبلدات بشعارٍ واحد: الشعورُ بالعيش الواحد معًا، اللقاءُ معًا، الاحتفاءُ معًا بمرور الدَرَّاجين محطةً بعد محطة حتى تكتملَ المحطات الخمسَ عشْرة، فتكون المنطقة تلاقت كلُّها على دروب الدورة، وتكون فرنسا، عبر النقْل التلـﭭـزيوني المباشر، توَحَّدَت على مِــقْــوَد درَّاجة.

         هناك إِذًا: جولاتٌ داخلية في البلاد تَـجمع أَهاليها بالخروج إِلى الشوارع والساحات والباحات والطرقات، بنتاج أَرضهم يَخرجون، بـهداياهم المحلية يَخرجون، فُرادى وجماعات يخرجون، يستوقفون الدَرَّاجين لا لـ”قطع الطريق عليهم” بل لــ”فتْح دُرُوب الفرح والابتهاج” بالوافدين من كل فرنسا وبقاصدين مناطقَ في فرنسا لا يُـحَـوِّل طريقَهم حاجزٌ ولا يَصُدُّ تقدُّمَهم مريبٌ أَو شِــرِّير.

         وهنا؟ ماذا عندنا؟ جولاتٌ داخليةٌ بين المناطق يقوم بها سياسيون لا على درَّاجتهم بل يَدْرُجون داخل سياراتهم الداكنة الزجاج في مواكبَ يَـحشدون لها عَرَاضاتٍ مسلَّحةً مُدَجَّجة وعرضْحالاتٍ مُـؤَجَّجة، يَعبرون المناطق تحت يافطات ترحيبية مطلوبة من الأَزلام والمحاسيب وسائر القطيع، وعلى منعطفات الطرُقات ناس مُصفِّقون مُهَوْبِرُون هنا، أَو أَخصامٌ مناهضون غاضبون هناك، فيكون اعتراضٌ هنا وقطْعُ طريق هناك، ولا ينهمر على الموكب الزهرُ بل الرصاص، ولا تطال العابرين الهدايا بل الحجارةُ والشتائم، ولا يتوقَّف الموكب شكرانًا بل إِذعانًا عند سقوط ضحايا متخبِّطين بدمائهم أَو دموعهم أَو ذُعرهم الراعب.

         في أُوكسيتانيا تُوحِّدُ المواكبُ المناطقَ بشعار العيش معًا، وفي لبنانيتانيا تُفَرِّقُ المواكبُ المناطقَ بشعارات التفرقة والخصومة وتأْجيج الخلافات.

         في أُوكسيتانيا كاميراتُ النقْل المباشر توصلُ إِلى العالم مشاهدَ الأَفراح، وفي لبنانيتانيا تَنقل الكاميرات مشاهد الأَتراح: حُرقةَ أُمٍّ على نعش ولَدها، أَو صُوَرُ رصاص يُستخدَم حجَّةً في المحكمة إِثباتًا لبراءَة أَو إِدانة.

         في أُوكسيتانيا يَدْرج الدَرَّاجون في مَوَاكبهم فَتَتَوَّحد حَولهم فرنسا، وفي لبنانيتانيا يَدْرج السياسيون في مَوَاكبهم فَيَتَفَرَّق لبنان بين مناصريهم وأَخصامهم، وتنشَلُّ الحركة السياسية في البلاد، وتتعطَّل الحكومة عن الجلسات، وتَـحتَدُّ التصاريحُ بالنبرات، وتعلو الأَيدي بالقبضات، وفي الإِعلام تَصدَح الأُغنيات: “للضَيف مفتوحة منازِلنا”، و”يا مْهاجرين ارجعوا، غالي الوطن غالي”.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib