“نقطة على الحرف” – الحلقة 1417
الوقت يتمطَّـــى مثل الكَرْكَنْد
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 23 حزيران  2019

         تعالت غضبةُ الـملَّاحين صيَّادي الكَــرْكَــنْــد في ولاية ماين الأَميركية، اعتراضًا على قرار الرئيس الأَميركي ترامـپ رفعَ الرسوم الجمركية على السلَع الصينية الـمستورَدة، ما استدعى رَدًّا فوريًّا من الصين بقرارٍ يُنَفَّذُ ابتداءً من 6 تـموز الـمقبل يقضي برفع رسوم الاستيراد 25% على 545 منتجًا أَميركيًّا، بينها الكَــرْكَــنْــد، وهو موردُ الرزق الأَوفرُ لسكان الولاية. وكانت الصين، السنة الـماضية، استوردَت أَطنانًا من الكَــرْكَــنْــد لدى هذه الولاية بقيمة 128 مليون دولار، وهذا ما جعل ملَّاحي ماين يُصَعِّدون غضْبَتهم على كارثة تصريفيَّة ستحلُّ بهم.

         هذه هذي الارتجالاتُ الضريبية وانعكاساتُها الارتجاجية على السوق خصوصًا، فالمواطنين إِجمالًا، فالاقتصادِ الوطني عمومًا، ويكون أَن يدفع صغار التجار من تَعَبِهم فديةً قاسية بسبب قرارات الدولة.

         ومن ارتجاجات الضريبة في أَميركا إِلى ارتجاجات الضريبة في لبنان، والبحثِ الـمُضني الـمُرهق الـمُـمِـضّ بعد 20 جلسةً حكوميةً، ومن يدري كم جلسةً ستستنفد بعدُ لجنة المال والموازنة لتخفيض عجز العام الحالي إِلى 7,59%، وتَعَثُّـر بلوغ هذا الرقم في مواجهة إِنفاق متوَقّع بنحو 23340 مليار ليرة، تضاف إِليها 2500 مليار سلفةُ دعم الكهرباء، مقابل وارداتٍ لا تتعدى 19016 مليار ليرة.

         وتَصدُر الصحف مندِّدةً بإِمكان أَن تَعْمَد مؤَسسة “ستَنْدارْدْ إِند ﭘـورز” (Standard & Poor’s) في آب الـمقبل إِلى إِعادة النظَر في تقويم لبنان الائْتماني الحالي وهو فئة “ب”، خوف تخفيض تصنيفِها فئةَ لبنان السيادية، خصوصًا حيال غُموضٍ يُـهدِّد تنفيذ الإِصلاحات المالية والهيكلية، والتأْخيرِ الفاضح في تنفيذ الـمشاريع المطلوبة للحصول على أَموال “سيدر”.

         كلُّ هذا الخطَر، وسلحفاةُ الموازنة آخذةٌ وقتَها في فرضِ ضريبةٍ ثم حذفِها، في ارتجالِ ضريبةٍ ثم تعديلِها، في أَلف ليرة على الأَركيلة ثم الخجل من هذا القرار غير المدروس، في زيادة الضريبة على الزُجاج الداكن ثم اكتشاف أَنه لا يكفي، في فرض 2% على الاستيراد ثم اكتشاف أَنه لـن يَـمُر، إِلى ارتجالات شبيهةٍ، كأَن اقتراحات الضرائب على رؤُوس اللبنانيين وأَكتافهم لعبةٌ بـحجارة دومينو: إِن لم يصحَّ هذا الحجر يُلغى ويُقْتَرَح سواه، أَو كأَنـما هي لعبةُ طاولةِ الزهر بين لاعبَين لديهما كلُّ الوقت ليَهْدُرَاه في مقهى على الرصيف: إِن لم يُصِبْ نرد “شِشْ وسِه” يُلغى ويُـرمى نردُ الــ”دوبارَه” أَو “هَبّ ياك” أَو “دوسَه”، أَو “شِش بِـش”، والوقتُ يَـمُرّ، والعُمر يَـمُرّ، وليس أَحدٌ مستعجلًا طالـما هي لعبةُ هَدْر وقتٍ وتسليةٍ وتمضيةِ نهارات من العمر في مقهى على الرصيف.

         وإِذا هدْر الوقت على الرصيف قاتلٌ عُمْرَ شخصَين، فإِنَّـما قاتلٌ شعبًا كاملًا هدْرُ الوقت على جلسات وزارية مَـمطُوطة، وجلسات مطاطيةٍ للَّجنة نيابية، وقريــبًا – بعونه تعالى – الهيئةُ النيابية العامة الـمُوقَّرة في جلسات تلـﭭـزيونية متسلسلة الخُطَب والعنتريات والعرْضْحَالات مِـمَّن هُم ناقشوا وهُم وافقوا في جلسات الحكومة ثم هُم ناقشوا وهُم وافقوا في جلسات اللجنة النيابية ثم هُم سيناقشون مُطوَّلًا أَمام كاميرات التلـﭭـزيون، والوقتُ يَـمُرّ، والعُمْر يَـمُـرّ، وغُول مؤَسسات الائتمان يَنتظر، و”سيدر” يَنتظر، والنَرْد في مقهى الوطن يتسلَّى بالنَطنَطَة بين “شِش وسِه” أَو “شِشْ دُو” أَو “شِش بِش”، وفوق باب المقهى إِعلانٌ قديمٌ شبهُ مُـمزَّق عن مسرحيةٍ قديمةٍ ليعقوب الشدراوي عنوانُها “بَلَا لِعْب يا ولاد”.

 هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib