“نقطة على الحرف” – الحلقة 1382
متى عندنا “كوليندا”؟
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 21 تشرين الأَوَّل  2018

فيما قرأْنا عن رئيسة كرواتيا كوليندا غرابار كيتاروﭬـيتش إِعلانَها يومَ انتخابها رئيسةً أَنها لن تخصْخِصَ مؤَسسات الدولة الكرواتية، وأَنها لن ترفعَ سعر الموادِّ الأَساسية، وأَنها لن تفرضَ ضرائبَ جديدةً على المواطنين، وأَنها ستُنقذُ اقتصادَ البلاد الـمتدهورَ بإِجراءاتٍ حاسمة حازمة، في طليعتها تخفيضُ رواتب كبار المسؤُولين في الدولة، وبَيعُ معظم السيارات الرئاسية والوزارية وسيارات النواب، وبيعُ طائرتها الرئاسية، والسفرُ في الدرجة الاقتصادية على متن شركة الخطوط الجوية الـمدنية الكرواتية،

وفيما قرأْنا عن سفرها إِلى روسيا على نفَقتها الخاصة، أَيَّــامَ الـمونديال، وفي الدرجة الاقتصادية، وأَصرَّت على الجلوس في مقاعد المواطنين لتشجيع فريق بلادها الذي عادت معه في الطائرة ذاتها وفي الدرجة العادية،

وفيما قرأْنا، ولا نزال نقرأُ، عن وزيرٍ هنا أَو مسؤُولٍ هناك يأْتي إِلى مكتبه على الدرَّاجة، أَو سائقًا سيارتَه بدون مواكبةٍ وزماميرَ وإِبعادِ المواطنين إِلى جانب الطريق بإِهاناتٍ وإِذلالاتٍ كي يَـمُرَّ “صاحبُ الـمعالي” بسيارته الداكنةِ الزجاج الـمَتْبوعةِ بسياراتٍ مُـماثلةٍ شبيهةٍ تمامًا برقمها ذاتِه ولونِها ذاتِه وزُجاجها الداكنِ ذاتِه، تَـمويهًا وحرصًا على حياة “صاحب الـمعالي” أَو “صاحب السعادة”،

وفيما يستعجل الجميعُ تشكيلَ الحكومة بكلماتٍ مُـخَشَّــبَةٍ مَـمجوجةٍ من طراز: “ضرورة تشكيل الحكومة، اليوم قبل الغد”، أَو “حرصًا على الاقتصاد الـمتدهور” أَو “يجب الإِسراع في تأْليف الحكومة لوقْف الهدر والفساد”،

فيما نقرأُ عن كلِّ هذا الــ”أَعلاه”، قرأْنا قبل أَيامٍ في جريدة “النهار” تحقيقًا مُـثْـــبَـتًا بالوقائِع والأَرقام جاء فيه أَنَّ كبار الـمسؤُولين السياسيين الحاليين في الحكْم يَــبْلُغُون 158 مسْؤُولًا، تبلغ رواتبهم سنويًّــا 41 مليارًا و900 مليون ليرة، وأَنَّ الرُؤَساء والنواب السابقين تبلغ رواتبُهم السنوية نحو 60 مليار ليرة، وجَـمَعَ التحقيقُ مجموعَ رواتب الرُؤَساء والوزراء والنواب، الحاليين والسابقين، فإِذا هو سنويًّــا يــبلغ نحو 110 مليارات ليرة لبنانية.

وفي التحقيق ذاتِه أَنَّ النائبَ السابقَ في أُستراليا يتقاضى راتبَه الكامل لثلاثة أَشهر فقط بعد انتهاء ولايته، والنائبَ السابقَ في بريطانيا لستة أَشهر فقط بعد انتهاء ولايته، وفي فرنسا أَيضًا لستة أَشهر فقط بعد انتهاء ولايته، وفي الـﭙـرلـمان الأُوروﭘـي لسنتين فقط بعد انتهاء ولايته.

ولم يذكُر التاريخ، منذ أَوَّل تاريخ التاريخ، عن نائبٍ سابقٍ يظلُّ يتقاضى راتبًا طيلة حياته، يا أَمدَّ الله بعُمره النفيس، وفي حال الوفاة يظَلُّ أَهلُه يتقاضون راتبًا إِلى ما شاءَ الله ربُّ العالـمين الرحمن الرحوم الرحيم رحمةً بأَتعابه الـمُضْنية خلال ولايته نائبًا في ساحة النجمة، مع أَنَّ معظم نوَّابنا الكرام يواصلون أَعمالَـهم ومِهَنَهم ومصالـحَهم الخاصة إِبَّــان جلُوسهم السعيد تحت قبة الـﭙـرلـمان.

وإِذا كان اقتصادُ كرواتيا على خطر، وأَنقذَتْـه الرئيسةُ كوليندا بإِجراءات التقشُّف وقَطْع الفساد، فمتى عندنا مثلُ هذه الـــ”كوليندا”؟

اقتصادُنا على شفير الانهيار؟ صحيح. نسبةُ البطالة تزداد، وَتَتَنَاقَص فُرَص العمل؟ صحيح.

عندنا وزارةٌ خاصةٌ متخصِّصةٌ خِصِّيصًا اختصاصًا مُـخَصَّـصًا لـمُحاربة الفساد؟ صحيح.

لكنَّ الصحيحَ أَيضًا أَنَّ دولةً بلغَتْ نسبةُ الدَين فيها ما بلغَتْهُ عندنا، ومعظمُ خدمة هذا الدَين بسبب الفشل في حَـلِّ مشكلة الكهرباء، وأَخبارُ الهدْر والرشوة والصفقات ثابتةٌ بالوقائِع والأَرقام، عبثًا يفرحُ مواطنوها بتشكيلِ حكومةٍ جديدة، طالَـما الجسَدُ العليلُ باقٍ عليلًا، ولـم يَــتَـغَــيَّــر فيه سوى… بعضِ لابِــسِــيــه.

 هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib