أَزرار” – الحلقة 1057
… حتى يـعـودَ الإِعلانُ “أُغنيةً إِعـلانية”
“النهار”  –  السبت 20 تشرين الأَوَّل  2018

حين بدأَتْ شركة “أَدﭬـيزيون” نشاطَها تَوَازيًا مع انطلاق “شركة التلـﭭـزيون اللبنانية” سنة 1959، بدأَت الإِعلانات التجارية على شاشتها ترويـجًا استعانَ بأَسماء معروفةٍ زادت من إِقبال الـمُستهلكين على البضائع والـمواد.

وحين انطلقَتْ إِذاعة مونتي كارلو سنة 1972 ركَّزت في رأْس مواردها على الإِعلانات التجارية وأَعطتْها حيِّـزًا واسعًا من بـثِّـها بين البرامج، واستعانت هي الأُخرى بـمُكَــرَّسين تلحينًا وأَداءً حتى بات الإِعلانُ قطعةً فنية في ذاتها، جعلَها مؤَلِّفون، في طليعتهم الياس الرحباني، “أُغنيةً إِعلانية” يردِّدها الناس، لإِيـجازها (معظمُها من 30 ثانية أَو أَقلّ) ولـميلودياها في نغمةٍ سلسةٍ سهلةِ الحفْظ والغناء.

من تلك الفترة، مرئِـــيِّها والـمسموع، حفِظ الناس إِعلانات الحليب والجبنة والمعكرونة وسائر موادَّ استهلاكيةٍ زادت أَلْـحانُ إِعلاناتِـها في الترويج لها، وفي جعْلها مرتبطةً بـتَلازُم وثيق مع بضاعتها، حتى بات منظرُها على رفوف الـمَحالّ التجارية يذكِّــر بــلَـحنَها في الإِعلان التجاري. وكم من مادة استهلاكية زالت اليوم من الأَسواق، لكنَّ نغمة الإِعلان عنها ما زالت تتردَّد في الذاكرة الجماعية.

  هذا الأَمر يعود أَوَّلًا إِلى الاستعانة بِـمؤَلِّفين موسيقيين مُكرَّسين موهوبين بصياغة النغَم الجميل السريعِ الحفظ، يَـجهَدُ الـمُلحِّن في العمل عليه كما على أَيِّ لـحنٍ آخَر لأَيِّ أُغنيةٍ كاملة. واللحن الرائج هو الذي يُــثَــبِّت النص (القصيدة) والمضمون (الموضوع) ويُــبـقي الصوت الـمُؤدِّي في ذاكرة الأَذهان جيلًا بعد جيل.

هذه الركيزة الأَساسية (اللحن) راحت تخفُّ مع السنوات، خصوصًا في الإِعلانات المرئية حاليًّا، لتحلَّ مكانها ركائزُ أُخرى، في طليعتها الـمرأَة، وفي استغلال هذه الطليعة: تسليعُ جسد المرأَة لغاياتٍ تـجارية جاذبة. وهذا تعهيرٌ صارخٌ إِحدى أَجمل عطايا الحياة في أَقدس نضارتها ونقائها وبهائها.

مع هذا التغيُّر الـمرئي، ضَؤُلَت أَهمية الـمسموع في اللحن، ولم يعُد النص هو الأَساس بل الـمشهد، كي لا نَذكُر نصوصًا ساذجة أَو سخيفة تُـرافق مَشاهدَ سينمائيةً متلاحقةً سريعةً لا علاقة لـمعظمها بـموضوع الإِعلان، ولا بـتطوُّر تكنولوجيا التصوير وتقدُّم المؤَثرات الإِلكترونية الجميلة.

ومع التركيز على البصريّ لم يعد هَـمُّ الـمعلن (فردًا أَو شركة إِعلانات) أَن يُوكِلَ إِعلانه إِلى ملحِّن يَـجعل اللحن موازيًا بضاعةَ الإِعلان، فأَمست موسيقى الإِعلان مقتبَسَة أَو عنصرًا ثانويًّا مُكَـمِّلًا، ولم تعُد عنصرًا يُــبْــقي الإِعلان طويلًا في الذاكرة الجماعية جيلًا بعد جيل. أَخذ البصريُّ مكانها، خصوصًا بسُرعة بُلوغه الـمستهلكَ على شاشة هاتفه، وما عاد يُـمكن اليومِ الحديثُ عن “أُغنية إِعلانية” يردِّدها الناس لصالح الـمنْتَج الـتجاري، كما يردِّدون لـحنًا ناجحًا لأُغنية رائجة.

البصريُّ يزول، لسُرعتِه وزَبَــدِيَّـــتِــهِ وتَلاحُق بَدائله، بينما الـمسموعُ أَبقى في البال. فكم فيلم سينمائيّ غابت عـنّـا تفاصيلُه مع مُرور  السنوات، لكنَّ موسيقاه باقيةٌ في ذاكرتنا حتى اليوم، وهي التي تذكِّرنا ببعض الـمَشاهد من ذلك الفيلم.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib