أَزرار – الحلقة 1058
نِــتــاجٌ  يــغــفُــو  فوق  اصـفـرار  أَوراق
“النهار”  –  السبت 27 تشرين الأَوَّل 2018

الـمؤْتـمر الثالث للكُتَّاب الأَرجنـتـيـنـيـين من أَصل لبناني: “الـهجرة والنتاج الأَدبي”، نَظَّمتْهُ جامعة الروح القُدُس هذا الأُسبوع، يفتح الأُفقَ رحيـبًا للتوسُّع إِلى أَبعدَ من الأَرجنتين، باستجلاء النتاج الأَدبي في سائر أَميركا الجنوبية، للغنى الوفير في آثار أَعلامها، المعروف منها والْـما زال مـجهولًا، حتى ينكشف هذا الأُفق على عطاءٍ للبنانَ هناكَ جديرٍ نضِـرٍ حتى اليوم، صحافةً وأَدبًا شعرًا ونثرًا وخبايا.

وإِذا كان الـميلُ أَسطعَ إِلى نتاج أَميركا الشمالية، تحديدًا في الولايات المتحدة لانتفاء حضوره في كندا، فلأَن وهْج “الرابطة القلمية” (1920) كان هو الـمُستأْثر بالاهتمام، لِـمَا أَطلعته تلك الكوكبة اللبنانية أَدبيًّا وصحافيًّا في نيويورك، ولِشُهرة عميدها جبران في آثاره العربية، ورفاقه ميخائيل نعيمة ورشيد أَيُّـوب وإِيليا أَبو ماضي، وشخصية أَمين الريحاني الذي كان الكفَّة الأُخرى من الـميزان.

 غير أَن الكوكبة “الجنوبية” التي تشكَّلت في ساو ﭘـاولو على اسم “العصبة الأَندلسية” (1932) لم تكن أَقلَّ نتاجًا ولا أَدنى إِبداعًا من زميلتها “الشمالية”، شكَّلَها أُدباء وشعراء مُـخلصون للُبنانيتهم ولُغتِهم الأُمّ، لـم تَصرفْهم أَعمالهم التجارية عن زرع بيارقهم في البرازيل والأَرجنتين والـمكسيك وكولومبيا وسواها.

إِذا كانت الصحف العربية في نيويورك (“الهدى”، “مرآة الغرب”، السمير”، “السائح”، الفنون”،…) منابرَ أُدبائنا فيها، فمنابرُ الصحافة في أَميركا الجنوبية (“العُصبة” في البرازيل، “الخواطر” في المكسيك، الإِصلاح” و”الفصول” في الأَرجنتين، …) كانت بالغنى ذاته في نشر نتاجٍ أَدبي تَـجلّى في قسمٍ منه كبيرٍ جسرَ تواصُل بين لبنان الأَرض الأُم ولبنان أَميركا الجنوبية.

وعدا مَـجموعاتٍ ضمَّت كتابات الشاعر القروي وفوزي معلوف وشفيق معلوف وجبران مسعود وعقل الجر وشكرالله الجر وترجمات منصور شليطا، ما زال معظَمُ ذاك النتاج مشتَّــتًا بين أَعمدة تلك الـمجلات والصحف وغاب اليوم مع غيابها. ولو اَنّ نتاج “الرابطة” النيويوركية بقي مشتَّـــتًا بين أَعمدة صحف نيويورك، ولم يصدر لاحقًا في مؤَلَّفات كُتّابها (خصوصًا مجموعُ مقالات جبران في “دمعة وابتسامة” و”العواصف” و”البدائع والطرائف”) لغاب هذا النتاجُ هو الآخر مع غياب تلك الصحف النيويوركية.

هذا الأَمر لم يتحقَّق لـ”العُصبَويّـين” في “لُبنانات” أَميركا الجنوبية، فـنَدَرَ بينَهم مَن أَنقذَ نتاجه من بَـــرْد صفحات الصحف والـمجلَّات ليَدفأَ بين دَفَّتَي كتاب. لذا بقي معظَمُ ذاك النتاج غافيًا فوق اصفرار أَوراقٍ يُواجه معها اليوم قدَرَه القاسي في نسيان صفحات مُصْفَرَّة مُبعثَرة هَــنَّــا وهَـــنَّــا، يَـتامى لا يَـحضنها مأْوى يـَجمعُها لتبقى مُــزْهرةً في حدائِـق الذاكرة.

ولولا قصائدُ ونصوصٌ لشاعر الأَرز شبلي ملَّاط صدرَت في تلك الصحف والـمَجلَّات، لغابت عنا  كنوزٌ أَدبيةٌ في تلك “الـمَهَاجر” الجنوبية، وفيرةُ الغلال بنتاج أُدباء لبنانيين يستحقُّون مؤْتَـمرًا عنهم في لبنان، يُعيدُهم إِلى الأَرض الأُم التي أَهدَتْـهُم إِلى تلك الديار فأَهْدَوها من بَعيدِهم ما تعتزُّ به الأُم في استذكار أَبنائها الأَوفياء.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib