“أَزرار” –  الحلقة  1056
أُحاديَّةُ القرار  وشُـموليَّة النتائج
“النهار”  –  السبت 13 تشرين الأَوَّل  2018

         في طبيعة القرارات الرسمية والـمراسيم أَن تَصدُرَ معلَّلَةً مُبَرَّرَةً بناءً على قانونٍ صادر أَو مرسومٍ سابق أَو قرارٍ معمول به، وبعد استشارةٍ قانونية أَو رأْيِ خبيرٍ أَو اقتراحِ عليم، كي لا يَصدرَ القرارُ الجديدُ مرتَـجَلًا فيُضطَرَّ مُطْلِقُه إِلى التراجُعِ عنه أَو نقْضِه أَو إِلغائِه.

         يـَحدُث هذا لدى بلدان تعتمد في حكْم شعبها الديـمُــقراطيا نهجًا وسياسةً ونظامًا. وفي دولٍ “تبطش” على شعبها بالتوتاليتاريا نظامًا واحدًا وحيدًا أُحاديًّا موحَّدًا في إِمرة الحاكم بإِذْنه تعالى، أَو بأَمره تعالى، أَو برضاه تعالى، لا لزومَ لأَيِّ تبرير أَو شرح أَو تعليل عند إِصدارها أَيَّ قرارٍ، فعلى الشعب طاعتُه والتهليلُ له.

         الفارق بين الأَنظمة الديمقراطيَّة والتوتاليتاريَّة أَن القرار في الأَخيرة مْلْزِمٌ لا نقاشَ فيه ولو ثَبُتَ أَنه مُرتَـجَل، بينما في النظام الديمقراطي يمكن التراجعُ عنه، لذا يتحاشى أَصحابُه أَن يُصدروه ارتِـجالًا غيرَ معلَّل ولا ومبرَّر، وبدون حيثيات مُقْنِعة ومنطقية.

          يتمُّ هذا في القرارات الرسمية الحكومية، وينسحبُ في القطاع الخاص على المؤَسسات والشركات والهيئات والتيارات، فلا يتفرَّد بها مسؤُول أَو رئيس أَو مقرِّر من دون مراجعة القاعدة، وإِلَّا تزلزَلَت من تحته القاعدةُ وانهارَ هو قبلَ مَن معَه فيها.

         لذا، تَـجنُّــبًا أَيَّ مفاعيلَ سلبيةٍ لأَيِّ قرارٍ مرتَـجَل، وجبَتْ مراعاةُ هَرَمية المؤَسسة عند قرار إِقفالها أَو اختصار عُمَّالها وموظَّفيها، كي لا تقع عليهم أَضرارُ التنفيذ العشوائيةُ الانفعاليةُ فينقلبَ القرار وَبَالًا على مُلْقيه قبل متلقِّيه، ويُؤَدي إِلى فوضى مُدَمِّرةٍ سمعةَ الدولة أَو المؤَسسة حين لا تعمد إِلى مجلس وزرائها مجتمِعًا متداوِلًا، أَو مجلس إِدارتها دارسًا الـمفاعيلَ أَو ردودَ الأَذى من القرار الـمرتَـجَل. ويسبِّبُ ذلك عادةً سقوطَ الدولة باتِّـهامها مارقةً أَو فاشلةً أَو قاصرةً أَو لم تبلُغ سنَّ الحكْم الذاتي، فــ”تنقَضُّ” عليها أَنظمةٌ تَعبَث بها أَو تصادرُ قرارها احتلالًا أَو انتدابًا أَو “طُرواديًّا”. وعندذاك تفقدُ الدولة هَــيْــبتَــها وصِدقِــيَّــتها، وترمي في رماد النسيان إِنجازاتٍ لها ربما كانت مفيدةً في زمنها لكنها تسقط مع الزمن الأَسْوَد.

         إِن الدولة التي تفشَل في تنفيذ قوانينها وتنجَح في تشريع الضرورة أَمرًا واقعًا، هي دولةٌ فاشلة. والدولة (أَو المؤَسسة أَو الشركة) التي تُصدر قوانينَ لا تَـحزم في تَـحقيقها فَـتُــشَرعــنُ الـموجود، عاجزةٌ عن الحكْم الذاتي.

         وخشيةَ أَن يَصدُرَ قرارٌ عن رئيس أَو نائب أَو وزير أَو مجلس نوَّاب أَو مجلس وُزراء، ثم يتمُّ التراجعُ عنه أَو نقْضُه أَو إِلغاؤُه عجزًا عن ضبْط تنفيذِه، وَجَب التنازُل عن الطاووسية والارتِـجال والانفعال، وَوَجَبَت الاستشارةُ قبل إِصداره، شرطَ أَلَّا تكونَ الاستشارات على صورة التي تَستغرقُ أَشهُرًا مطاطةً ديماغوجيَّةً متوتِّرةً كي تولَدَ منها حكومةٌ حكيمةٌ متحكِّمةٌ مَـحكومةٌ بــ”الوفاق الديـمقراطي”.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib