- ماذا تَفعل أَيُّها الرجل؟
- أُحِبّ.
- أَقصد: ماذا تفعل؟
- أُحِبّ.
- وهل الحب “شُغل”؟ أَسأَل: ماذا يَشْغَلُك؟
- الـحُب انشغال كلِّــيّ، ولا وقتَ أَغلى.
- لكنه وقتٌ مـجانِـــيٌّ لا مردُودَ له.
- وهل للسعادة مردُود؟ ماذا ينفع أَيُّ مدخولٍ مادِّيٍّ، والروحُ على جَفاف؟
- ليس للمردود قيمةٌ في ذاته، بل في ما يستطيعُه. هنا قوَّتُهُ، ونَـهَمُ الـمَسعى إِليه.
- لا قوَّةَ فوق الـحُب. الـحبّ الحقيقيّ الذي لا يأْتـي سوى مَرَّةٍ وحيدةٍ في العمْر، ولو في خريف العمْر.
- ولا يتكرَّر؟
- كيف يتكرَّر طالـما شَـمسُهُ لا تغيب، إِذَن لَن تُشرقَ من جديد.
- لكنَّ لذة الشمس أَنَّـها تُشرقُ جديدةً كل يوم.
- هذه شمس العالـم الذي يَـحتوينا، ويجب أَن يتجدَّد العالَـم كي لا نَـموت من رتابة. شَـمسُ الـحُب نـحن نَـحتويها في ذاتنا الـجوَّانية فلا تغيبُ بل تَــتَــجَــدَّدُ في عالَـمنا الداخلـيّ طالـما نغذِّيه بالـحُب اليوميّ، بالشَغَف الـمتواصل، بالـنَهَم الوَلُوع، بالشَوق الدائمِ اللَهَب، وبانتظارٍ لا يَـمَـلُّ من الانتظار لأَنه رجاءٌ أَقوى من الأَمل. الأَمل قد ينكسر إِذا وقَع في اليأْس من بُطْءِ الزمن. الرجاءُ انتظارٌ دائمٌ يُصاحِب الزمن.
- ومنذ متى أَنتَ في هذا الرجاء؟
- منذ داناي. منذ ولدتُ في السِــتِّين إِلى بدءٍ متجدِّدٍ غَــيَّــرَ كلَّ قدَري. منذ أَخذتُ أَرى إِليها حُلْمي الحيَّ ورجائي الذي لن ينكسر. منذئذٍ أَعيش في رجاءِ الزمن، ولكُلِّ سنةٍ جديدةٍ سحرٌ جديدٌ إِلى سنواتٍ من نُور.
- وإِذا استطال الزمن؟
- كيف يستطيل وأَنا أُخاصِرُه؟ يـَمشي، أُواكبُه. أَمشي، يَـمشي معي، وبيننا داناي. مع صُبح كلِّ يومٍ شَــعَّــةٌ تقترب، ومع الـمساءِ لـمسةُ البَركة قبل النوم من قميصٍ ينتظر معي صباحًا يَـجيْءُ بـمخملِ الكَــتِــفَين.
- وإِذا أَتى صباحٌ وأَحسستَ أَنك واهِم؟
- لن أُحِسّ. الـحِسُّ يُـخطئُ. الـحدسُ لا. أَنا أَتعلَّقُ داناي بِـحدسِيَ النابع من صدقها النقيّ ووعدِها الصاعق.
- ومتى صَدَق الوعد؟
- يومها يستريحُ انتظاري ويبدأُ الزمنُ الـجديد، زمَنُ السعادةِ الـخارجَ التوقيت، خارجَ الـحُــرَّاس والأَولياء، خارجَ الظِلال الـحذِرَة، فنمضي إِلى الفجر الـمُنتظرِنا فوق على تلةٍ عند الـهجعَة الأَخيرة من أَيلول. يكونُ ليلٌ ويكونُ نهار، وتدخل الكتفان في القميص، وتنفتحُ حقيبةٌ على عرسٍ، مَذَاقُهُ من خـمرة قانا الـمؤَجَّلة، ولونُه من فوشيا بابٍ انفتَحَ يومًا فَفَتَح النُورَ ونَعِمَت منه عيناي بـرؤْيةٍ أَخذَتْ تُواكب حبَّنا بِــثِـقَــةٍ حتى أَوصلَــتْـنا اليوم إِلى ذُروةِ رُؤْيا فيها، بفضل داناي، ثَـمْرةُ الرجاءِ ومكافأَةُ الانتظار. هنري زغيب
email@old.henrizoghaib.com
www.henrizoghaib.com
www.facebook.com/poethenrizoghaib