نقطة على الحرف – الحلقة 1379
هذا الـمطار… لعنةٌ؟ أَمْ مَلْعَنَة؟
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 30  أَيلول  2018

جاءَ وقتٌ، زمنَ الحرب اللعينة، كانت فيه طريقُ الـمطار لعنةً مرعبة، لِـما كان عليها من خطرٍ، بين خطفٍ وقنْصٍ وحواجز، يُـثير القلق والخوف والارتداع، فكان البديلُ سفَــرًا من بَــرِّ دمشق أَو من بَـحر جونيه لتَجَنُّب القلَق على مواعيد السفَر وإِلغاء الحجوزات.

وانتهَت الحرب، وزال الخطر، وانتَفَت اللعنة من الطريق إِلى الـمطار لتعودَ اليوم إِلى داخل الـمطار، ويعودَ القلق من جديدٍ على مواعيد السفَر وإِلغاء الحجوزات.

وإِذا كان السببُ أَيام الحرب هي الحرب، وهو ظَرف قاهر، فالسببُ اليوم غيرُ قاهرِ الظرف بل قاهرُ السبب، والسبَب سوريالِـيٌّ في نُشوئه، وقد لا يُصدِّقه عقلٌ في بلدان العالم حين يَبْلُغها المسافرون ويشرحونَهُ وينشرونَهُ في أَوساطهم.

الـمواطنون الذين ربطوا الأَحزمة استعدادًا للإِقلاع، كيف سيشرحون أَنْ تـمَّ إِنزالُـهم من الطائرة لاستخدامها في رحلةٍ رئاسية؟

الـمواطنون الذين هبطوا في الـمطار بعد ساعاتِ طيرانٍ طويلة، كيف سيشرحون أَنَّ تأَخُّرَهم في الخروج سببُهُ انتظارُ ساعاتٍ طويلة مماثلة لأَنَّ سجادة الحقائب تعطَّلت بسبب تقصيرٍ ما، من جهةٍ ما، لظرفٍ ما، ولم يكن تقْنيًّا بَـحتًا كما يَـحصل في بعض الـمطارات، وهو أَمرٌ طبيعيّ؟

الـمواطنون الذين انتظروا ساعاتٍ طويلةً في زحمةِ صفوفٍ طويلة وسْط موجاتِ غضبٍ طويلة، كيف سيشرحون أَنَّ خلافًا على الصلاحيات وقعَ بين أَجهزة الـمطار غيرِ الـمَدنية فطارت مواعيدُ السفَر؟

الـمواطنون الذين جلَسوا في مقاعدهم ينتظرون إِعلان الإِقلاع، كيف سيشرحون أَنَّ تأْخيرًا حصل بسبب تزويد الطائرة كمياتٍ زائدةً من الفيول تشكِّلُ خطَرًا على رحلتها؟

ولا تنتهي قصصُ الـمطار، ولا تنتهي لعنةٌ كانت تُرعِبُ المسافرين على طريق الـمطار فبات يُرعبُهم الكابوس داخل الـمطار.

وما السبب؟ خلافاتٌ وشائِعاتٌ ومسؤُوليات تُنَطْنِطُ بَـهلوانيًّا بين جهازٍ وجهاز، بين وزارةٍ ووزارة، كأَنَّ الناس كرةٌ يتقاذفها بأَرجُلِهم من يَتَسَبَّبُون بتأْخير الـمواطنين وقهْر الـمواطنين وإِذلال الـمواطنين .

ماذا ينفع الـمواطنين اعتذارُ مسؤُولٍ أَو بيانٌ توضيحيٌّ أَو تحقيقٌ جزائيٌّ أَو أَمنيٌّ أَو عسكريٌّ أَو تصفيةُ حساباتٍ أَو اجتهاداتٌ في تفسيرِ مرسوم ؟

ما ذنْبُ مواطنين يصِلُون إِلى الـمطار فيَقعون في فَخٍّ تسبِّبُهُ تَجاذباتُ سياسيين ومسؤُولين وقياديين يَـجعلون الـمطار والناسَ في الـمطار وسُـمعةَ الـمطار بريدَ رسائلَ سياسيةٍ يتقاذفُونها لغاياتٍ اسـتِـئْـثـاريةٍ أَو كيديةٍ، ثم “يَــتَــوَيْــتَــرُون” كالديوك ويَـجعلون “تغريدات” الــ”توِيـــتِـر” متاريسَ قبالةَ بعضهم بعضًا، والناسُ بينهم ضحايا أَو رهائِنُ أَو لُقَطاءُ أَو يتامى، يتلقَّون الشظايا  كما كانوا يتلقَّونها بين متراسٍ وآخرَ في شوارع بيروت الـمُدَمَّرة أَيام الحرب؟

هذا الـمطارُ واجهةُ لبنان ومفخرتُه، وشركةُ طيران الشرق الأَوسط سفيرةُ لبنان إِلى الدول ومفخرتُنا في العالم، فمَن يشوِّه صورته الناصعة؟

ومن ذا يسمِّمُ أَعصابَ لبنانيـين عالقين في صفوف انتظارٍ طويلة ليسوا أَصلًا في حاجةٍ إِلى سبَبٍ إِضافـيٍّ كي يلعَنوا الساعة والمكان والزمان، ويُغادروا غير ملتفِتِين نِـهائِــيّاً إِلى بلاد الـمَصدر بعدما صارت مصدرَ فوضى سياسية وحصَص سياسية وكوتات سياسية ومُلاكمات سياسيين يدَّعون جميعُهم العمل من أَجل لبنان، حتى ليأْتـي يومٌ لن يعود في لبنان مواطنٌ واحدٌ يُصدِّقُهم ويُصفِّق لهم ويرضى أَن يَـنْـذَلَّ على أَقدامهم كي يُـمارسوا عليه زبائِــنِـيَّــتَــهُم البَشِعة.

هذا الـمطار… لعنةٌ؟ أَم مَلْعَنة؟ إِنها على الحالَين لعنةُ هذا الزمن السياسيّ اللبنانـيّ الذي جاءَ إِلى المسؤولية بِـمُعظم مَن يَـجعلون الناسَ كُرَةً يَتَراَفُسونَـهَا في مضاربهم، غيرَ مُدركين أَنَّ ضربةً كبرى ستأْتي على رؤُوسهم حين ينهضُ الشعبُ من رُكُودِهِ ويستفرسُ في قذفِ الكُرَة على رؤُوس مَن هُمُ اليومَ أَحفادُ الفــرِّيسيِّــين الـمَلعُونين.     

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib