مررتُ أَمسِ السبْت، في كورنيش الـمرزعة، بلافتةٍ مُروريةٍ لفتَتْني بغُمُوضها، هي الـمفترضُ أَنـها موضوعةٌ لإِرشاد المواطنين إِلى وُجهة سيرهم. في اللافتة سَهمان: الأَوَّلُ يُشير إِلى الأَمام، حَدَّه اسم “سليم سَلام” بالعربية والأَجنبية، والآخَرُ يُشير إِلى اليسار، حَدَّهُ كلمة “كولا” بالعربية والأَجنبية.
ولأَنني أَعرف بيروت وأَحياءَ بيروت وشوارعَ بيروت، فهمتُ المقصود باللافتة.
ولكنْ… ماذا عَـمَّـن لا يعرف بيروت من اللبنانيين، أَو مَن لا يعرف لبنان من السيَّاح؟
اسم “سليم سَلام” وحدَه على اللافتة يدلُّ على اثنين: جسر سليم سلام ونَفَق سليم سلام.
واسم “كولا” وحدَه على اللافتة يعني مَـحلَّةً فيها ساحةٌ وفيها شوارعُ وفيها زواريبُ وفيها تجمُّعٌ سكنيٌّ كثيف.
فما الذي يَعني، للزوار أَو السيَّاح، اسمٌ تجريديٌّ لا يُرشدهم إِلى مكانٍ واضح؟
وما الذي يَعني، للزوار أَو السيَّاح، اسمٌ تِـجاريٌّ زالَ من زمان لأَن معمل الـ”كوكاكولا” (سُـمِّيَت باسمِهِ الـمحلَّةُ حين أُنشِئَ الـمعمل في منتصف الخمسينات) لم يَعُد موجودًا منذ أَكثرَ من ثلاثينَ سنة: هُدِمَ في أَواخر الثمانينات وقامَت مكانَه أَبنيةٌ عاليةٌ أَزالَت كُلَّ أَثـــرٍ لهُ.
فكيف إِذًا تَعمَدُ وزارةُ الأَشغال العامة والنقل (في الشوارع الرئيسَة) وبلديةُ بيروت (في الشوارع الفرعية) إِلى وضْع لافتاتٍ وَفْق تسميةٍ شعبيةٍ محليةٍ ضيقةٍ لا وَفْقَ الإِثبات العقاري الرسميّ؟
وكيف اعتمادُ أَسماء تجريديةٍ مُـجَــرَّدةٍ لا تنفع أَصحابَها ولا المسترشدين بها، خصوصًا كاسْمِ شخصيةٍ بيروتيةٍ عريقةٍ كــ”أَبو علي سليم سَلام” والدِ الزعيم اللبناني صائب سَلام وجَدِّ الرئيس تَـمَّام سَلام؟
وما نفعُ لافتةٍ لا يُشير رقمٌ واضحٌ فيها إِلى الـمسافة التي تفصل بين اللافتة والـمكان؟
فَهِمْنا أَنَّ في بيروت (خصوصًا في بيروت وعُمومًا في المناطق اللبنانية) شوارعَ لا نعرف معظمَ مَن سُـمِّيَت بأَسمائهم: مَن هُم، ماذا صَنَعوا، ماذا اجترَحوا، ماذا قَدَّموا لِلُبنان حتى استحقُّوا أَن تُسمَّى بأَسمائِهم تلك الشوارع.
فَهِمْنا أَنَّ اللافتات في المدينة ليسَت دائمًا مفيدةً بِـــإِشاراتها وإِرشاداتها الزائِــرَ أَو السائح.
لكننا ما فَهِمْنا ولا نَفهَم كيف يَـقرأُ اللبنانيُّ أَو الزائِرُ أَو السائحُ اسْـمًا مُـجَــرَّدًا من مدلوله (ساحةً، جسْـرًا، مَـحلَّةً، …) كأَنه مكتوبٌ فقط لأَهل الـمَحلَّة أَو الشارع، ولا يكونُ مفهومًا للزُوَّار والسُـــيَّاح.
هذا طبعًا كي لا أَتوسَّعَ أَكثرَ فأَستعيدَ التَسَاؤُلَ الدائم عن سبب التجاهُل أَو التقصير أَو العجْز عن ترقيم الشوارع والأَبنية في كلّ لبنان، كي لا نَظَلَّ ندُلُّ الناس إِلى بيوتنا بعناوينَ مُضْحكةٍ مُعَقَّدةٍ تَتراوحُ بين بيَّاع البطيخ يَـمينًا ومفرَق الصيدلية يسارًا ودكَّان أَبو أَسعد جنوبًا وزاروب إِلى اليسار ثم زاروبَين إِلى اليمين ثم البناية الرابعة قبل الأَخيرة، حتى يَدُوخَ الزائرُ ويضيعَ ويَلعَنَ الساعة التي يَستدِلُّ فيها على بيتٍ لا رقمَ له ولا اسمَ شارع، في حـيٍّ قابعٍ بين بيَّاع بطيخ ودكَّان أَبو أَسعد وزواريب زواريب زواريب يَضيع فيها حتى الواوي وهو يتسلَّل خلسةً إِلى قُن الدجاج. هـنـري زغـيـب