“أَزرار” – الحلقة 1044
… لأَنَّ آباءَكُم جاؤُوا من أَرضٍ …
“النهار”  –  السبت 21 تموز  2018

         مطلعَ هذا الأُسبوع، بعد فوز الـمُنتخَب الفرنسي في مونديال 2018، صدَر على الصفحة الأُولى من جريدة “اليوم في فاسُو” (يومية تَصدُر في واغادُوغُو عاصمة بوركينا فاسُو) مقالٌ جاء فيه أَنّ “بين 23 لاعبًا اختارهُم الـمُدرِّب الفرنسي ديديــيـه دي شان، 16 لاعبًا فرنسيًّا من أُصُول أَفريقية، بينهم مَن مهاراتُـهم في الـمَلعب حقَّقَت الفوز”. وختام المقال عبارة: “هكذا ديكُ أَفريقيا صَدَح كوكو كوكو مع ديك فرنسا”. وحين قفَز الرئيس الفرنسي من الفرَح عند صفّارة الـحَكَم الختامية، هَرَع يُهنِّئُ الـمُنتخَب الذي سجَّل النصر بِـــ”جميع” عناصره الحاملين الولاءَ لفرنسا.

         الجوهرُ هنا: الوَلاء. وهو الاندماج في الهوية حتى الذَوَبان في كُــنْــهِــها. الجنسية ليست مُـجرَّد حَـمْل جواز السفر أَو بطاقة الهوية. الجنسية هي الوَلاء مُــتَــوَّجًا بالوفاء. أَعضاءُ الـمُنتخَب الفرنسي جاؤُوا إِلى فرنسا مهاجِرين من القارة الأَفريقية، بـيـضَ البشرة (شماليَّ القارة) وسُـمْرَها (جنوبيَّها)، فاندمجوا معًا في مجتمع فرنسي انتسبوا إِليه، أَعطاهم جنسيَّــته فأَعلنوا له الولاء من دون التخلّي عن وفائهم للجُذور.

         لا لُبنانـيَّ أَكثر من جبران خليل جبران: لم يترك نبضةً في دمِه إِلَّا حـَمَّلها وفاءَه للُبنان، وحنينَه إِلى لُبنان، وذكْرَ لُبنان، وحُلْمَه بالعودة إِلى لُبنان، وأَعلن من قمّة نيويورك: “لو لم يكُن لُبنان وطني لاتَّـخذْتُ لُبنان وطني”، وطلَب أَن يَرقد جثمانُه في أَرض لُبنان، وأَوصى بِـموجوداتِ مُـحترفه لبلدته الأُمِّ الغالية بْـشَــرّي، ومع ذلك لم يُنكِر فضْل أَميركا التي حَـملَــتْـهُ إِلى العالَـمية، فخاطب “الأَميركيين الشباب من أَصل سوري” (تموز 1926): “أُؤْمنُ أَن يقول واحدُكم لِـمُؤَسِّسي هذه الأُمَّة: “أَنا شابٌّ من أَرومةِ شجرةٍ مغروزةٍ على تلَّـةٍ في لبنان، وها أَنا مغروزٌ عميقًا هنا وسأَكون نافعًا… أَنا حفيدُ شعبٍ بَنى دمشق وبيبلوس وصور وصيدا، وأَنا هنا لأَبْني كذلك. افتخِروا بأَن تكونوا أَميركيين، ولكنْ كُونوا أَيضًا فَخورين بأَنَّ آباءَكم جاؤُوا من أَرضٍ مَــدَّ فَوقها الربُّ يدَه الكريمةَ وباركَها”.

         اللبنانيون الـمُجنَّسون في فرنسا، وحاملُو الجنسيةِ الفرنسيةِ اللبنانيون في لبنان، فَــلْــيُــهَــنِّـــئُــوا الـمُنتخَب الفرنسي، إِنَّـما من دون أَن يَسْتَخِفّوا بلـُـبنانـيَّـتهم “فَخرًا” بــجوازِ سفرٍ فرنسيٍّ ليس سوى جوازٍ للعبور، أَما الهوية فهي دَمُ الجذور. وهذا ما ربَّـما لم يَــتَــنَــبَّــه له مَن سطَّروا مرسوم التجنيس حديثًا كي يَـمنحوا الجنسيةَ اللبنانية مئاتِ مكتومي قَيد أَو غُرَباءَه، سيحملونها لغايةٍ أَو مصلحةٍ أَو غُـنْـمٍ سياسي، ولن يكون ولاؤُهم ولا وفاؤُهم لِلُبنان. ورُبَّ مسؤُولين لبنانيين يَـحمِلُون جنسيةً أُخرى يُـباهون بها وَلاءً وَوَفاءً، مع أَنّ الـخُــبز في معجنهم من قمحِ أَرضهم اللبنانية.

عنوانُ الجنسية: الانتماء. وهو شرفٌ جناحاهُ الوَفاءُ والوَلاء.

ومَن ليس له هذان الجناحان معًا، لا يستحقُّ حتى جوازَ السفر.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib