“نقطة على الحرف” – الحلقة 1368
“بُــــــــــــــــــــوْوْوْ”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 15 تَـــمُّوز  2018

         … وأَخيرًا صدَر الحكْم وأَعلنَه القاضي: “باسم الشعب اللبناني، وبعد التداوُل في الملفّ مع مستشارَي هيئة المحكمة، وبعد ثُبوت التُهَمة واعتراف المتَّهم بارتكاب جريمته، أَصدرَت هيئة المحكمة قرارَها بالحكْم على الـمتَّهم عشرَ سنواتٍ بالأَشغال الشاقّة التي تنحصر بانتقاله يوميًّا مرَّتين من بيروت إِلى جونيه ومن جونيه إِلى بيروت، طيلة أَيام الأُسبوع”. ولم تنفع المتهم صرخاتُ استغاثته من هذا الحكْم القاسي، خصوصًا لـمعرفته أَنْ لا فرصةَ له باستئْناف الحكْم وأَنه سيخسَر الدعوى، وأَنّ هذه العقوبةُ من أَقسى ما يُـحكَم على المواطن اللبناني في دولةٍ تَـهدُر الوقت على مـحاصصة حقائب الحكومة “فروماجيًّا” وتَترك المواطن يُشوى على نار الغضب واليأْس والإِحباط.

         طبعًا هذا الحكْم افتراضيٌّ، توسّعتُ به مستوحيًا إِيّاهُ من صورة كاريكاتورية موجعة رأَيتها منشورةً في موقع “بُوْو” اللاذع النقد على ما يجري في الوطن.

         سخرية سوداء؟ صحيح. وهل هذه الدولة الشوساء تستاهل إِلَّا السخريةَ السوداء؟

         وهل تركَت هامشَ أَملٍ لِـمُواطنٍ يَشهد جباله تُؤْكل كقالب الحلوى في مئات المقالع والكسارات ومعظمها غير مرَخَّص، ولا من يسأَل، ويعاين زبائلَ تفوح رائحة نُتنها من إِحراقها على الطرقات العامة، ولا من يسأَل، وكهرباء تتناتش مَلفَّها حكوماتٌ متعاقبةٌ وزيرًا بعد وزيرٍ وكل وزير يدعي أَنه الزير ولا يشيل الزير من البير، ولا من يسأَل؟

         أَقلُّ ما تستاهله هذه الدولة العقيمة أَن تُضرَبَ بالسخرية السوداء.

         تصفحْتُ مليًّا موقع “بُوْوْ” الساخر، الممتلئَ رُسومًا كاريكاتوريةً لاذعةَ السواد والتهكُّم، تَنوبُ عن جراح الشعب الـمُؤْلِـمة، بالإِشارة  إِلى ما في الدولة من فَسادٍ وهدْر وعقْمٍ ولامبالاة، في رسومٍ قاسيةٍ، منها رسْمُ محكومٍ يستغيثُ بأَن يطفئُوا أَمامه شاشة تلـﭭـزيون تَبُث برنامجًا سخيفًا من تلك التي تقتحم بوقاحةٍ سهراتِنا وليالينا، ومنها رسمُ مقارنةٍ بين التقدُّم في الاتصالات الخلَوية عالَـميًّا وما عندنا من تَـخَلُّفٍ في الشبَكات الخلويَّة اتِصالاً وتَلَقِّـيًا، ومنها تعليقاتٌ على ما يَصدر في مجلسٍ للنواب معظمُ أَعضائه كَهَلةٌ وعجائز ما زالوا يُنتَخَبون هُم ذاتُـهم دورةً بعد دورةٍ، فكيف يُنتَظَر منهم جديدٌ وقديمُهم أَوصلَ لبنان إِلى ما هو عليه اليوم.

         كلُّ هذا بأُسلوبٍ خاص عُرفَ به “فنُّ البُوْ” الكاريكاتوري الـموجعُ القَرْص، والكاريكاتور بطبيعتِه يَقْرُص ويوجِع.

         لا أَقول هذا من باب النَقّ، فالدولةُ هي التي تسبِّب لِـحالِـها قَرْص المواطنين، حين يَـجدُونها تعجَز عن تأْمينها لهم أَقلَّ الـمتطلَّبات لـحياةٍ طبيعيةٍ، هم الذين انتَخَبوا مُـمثِّليهم كي يُـمثِّلُوهم لا كي يُـمثِّلوا عليهم و”يَــتَــوَيْــتَــرُوا” متشاتمين (أَي يَتَشاتَـموا “تويتريًّا”) و”يُغَرِّدوا” متشاجرين في ما بينهم لاقتسام الـجُبنة وتَـحديد حصصهم الوزارية بين “سيادية” و”وازنة” و”خدَماتية”، فيما الشعبُ يتفقَّد السيادة، ويفتقد الوزْن، ويفقد الخدَمات، فلا يرى أَمامه إِلَّا خدماتٍ للمحاسيب، وأَوزانًا للأَزلام، وسياديات أَسيادٍ يستَمْتِعُون بِـــسَوق المواطنين قطْعانًا خانعةً راضخةً مكْسورةً، لكنَّها لا بُدَّ أَن تَـخلَعَ عن رقابِـها النير وتنتفضَ لتُوقِعَ عن أَكتافها الكراسي بـمُعظَم مَن يِـجلِسون اليوم راتعين على الكراسي.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib