“أَزرار”- الحلقة 1043
متعةُ “التَـسَـوُّق” الـمعـرفـيّ
“النهار”  –  السبت 14 تـموز  2018

اشتريتُ إِلكترونيًّا قبل أَيامٍ كتابًا سياحيًّا قديمًا عن لبنان سنة 1950، من موقع Ebay الإِلكتروني، ففتحَت لي نوافذُه متعةَ التسوُّق في أَسواقٍ افتراضيةٍ لامَـحدودةٍ عارضةٍ أَمامي على الشاشة منتجاتٍ لا تُحصى من كلّ نوع، بينها الكتُب، يَسهُل حصولي على أَيٍّ منها بضغْطِ زرّ على مكابس الكومـﭙـيوتر.

اطَّلعتُ على تاريخ هذا الموقع فَلَفَتَتْني مغامرةُ مُنشِئِه الشاب ﭘــيار أُوميدْيار (51 سنة): بدأَ سنة 1995 بصفحةٍ خاصةٍ له يروّج فيها لبيع بطاقات الطيران، وها هو اليوم، بعد عقدَين فقط، مليارديرٌ ناجحٌ صاحبُ أَمبراطوريةٍ بآلاف الموظفين العاملين ترويـجًا وتسويقًا إِلكترونيًّا إِلى جميع أَقطار العالم.

كثيرةٌ هي المواقع التي تُروّج للكتاب، بإِرسال إِعلاناتٍ عن كتُب متوفِّـرة في الموقع، أَغلفةً وإِعلامًا ترويجيًّا لكتابٍ أَو كتُب، معظمُها يُغري باقتنائه وقراءَته، لا بدَّ أَن يَهُمَّ الـمتلقيَ واحدٌ منها فيبادر إِلى شرائه إِلكترونيًّا، والحصولِ عليه بوسائط عملية.

في هذا السياق أَتلقّى في بريدي الإِلكتروني إِعلامًا متواصلًا عن كتُب مستعمَلة، وأُخرى قديمة، وأَجملُها طبعاتٌ أُولى صدَرَت قبل عشرات السنين.

هكذا إِذًا: فكرةٌ واحدةٌ اندلَعَت في عقلِ شابٍّ موهوبٍ فكانت الشرارة، وإِذا مئاتُ المؤَلَّفات أَمامنا على الشاشة، ما علينا إِلَّا البحثُ فيها – عوَض هدْر الوقت باستخدام الشاشة في مراسلاتٍ وتبادُلاتٍ تافهة -، وها الكتُب بين يدينا، متوفِّرةٌ إِلكترونيًّا بمواضيعها ومؤَلّفيها، وبانكسار المسافات نيل كتاب يبلغ بابَ البيت بأَبسط الطرق وأَسرعها.

إِنها مِتعة التسوُّق الـمعرفـيّ بتنا نزاولُها على شاشة الهاتف في قبضة يدنا، فلم يعُد كتابٌ “يموت” مع الوقت أَو “يدفنه الغبار” على رَفّ مكتبةٍ شخصيةٍ أَو فرديةٍ أَو عامةٍ بعيدة، طالما باتَ نشرُ الإِعلام عنه يبلُغُ كلَّ العالم. وفي هذه المواقع الإِلكترونية ما يَـحُثُّ على القراءة واطِّلاب الكتب، فلا حاجةَ بعد اليوم لِعَناء التنقُّل الجسديّ بين الـمكتبات للبحث عن مرجع أَو مصدر أَو معلومة. هي ذي الـمعرفةُ تأْتي إِلى بيت طالبها، كلُّ ما عليه أَن يفتح لها الباب ويزاولَ القراءة، فمعظمُ الكتُب متوفرةٌ لدى مُـحرّكات البحث الإِلكتروني، بنصِّها الكامل أَو بالإِعلان عن عناوينها مع نبذةٍ عنها، تسهيلًا القراءَةَ وتَـحبيبًا بها.

وسْطَ الجدَل بين الكتاب الورَقيّ والكتاب الإِلكتروني، بين قراءةٍ في اليد أَو على الشاشة، يَــثْــبُــتُ راسخًا أَن الكتاب الورقي لـم (ولن) يفقد جوهره العريق مهما تراكمَت على صدوره السنوات.

الكتابُ القديمُ إِذًا ما زال حيًّا نابضًا، يَستخدم التكنولوجيا الحديثة لترويـجه وإِيصاله إِلى مَن يرغبُ في موضوعه أَو عتْقه أَو طبعته القديمة. والكتاب القيِّم القديم في المكتبة قد يكون أَغلى من أَيِّ قطعةٍ معروضةٍ في البيت.

إِنه مجدُ الكتاب، ولا يزول.

وكلَّما تطوَّرَت تكنولوجيا العصر والتَفَتَتْ، تَـجدُه سبَقَها وَشَــعَّ أَمامَها، نَـجمَ كلِّ تَقَدُّمٍ تكنولوجيّ.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib