طويلًا يتوقف السيَّاح على شاطئ باتومي (Batumi)، ثاني أَكبر مدينة في جيورجيا، يتأَمّلون نُصُبًا معدنيًّا عاليًا (8 أَمتار) متحرِّكًا مزدوجًا لامرأَةٍ ورجُلٍ يتقاربان، يتلامسان، يتداخلان فَيَتَعَانَقَان هنيهةً عجلى ثم ينفصلان ويتباعدان. والفكرة نفَّذَتْـها سنة 2010 بالـمَعدن والإِضاءة النحاتةُ الجيورجيّة تامارا كْـﭭـيزيتادْزي (Kvesitadze) مستوحيةً إِياها من رواية “علي ونينو”: قصةُ حبّ جرت أَحداثُها من 1918 إِلى 1920 بين الشاب الأَذربيجاني الأَرستقراطي الـمُسْلم علي خان والأَميرة الجيورجية الـمسيحية نينو في العاصمة الأَذربيجانية باكو، ثم فرّقت بينهما الاضطرابات السياسية في القوقاز بسبب الثورة البولشيـﭭـية.
قصة الحب المكسور هذه صدرَت بالأَلـمانية في ﭬـيــيــنَّا لدى منشورات ﭬـيرلاغ سنة 1937 في رواية “علي ونينو” بتوقيع “قربان سعيد” وهو اسمٌ مستعار لم يَـمنع استـتارُهُ من رواج الرواية سريعًا وصدورها (حتى 2014) مترجَمةً إِلى 37 لغة في نحو 100 طبعة وإِعادة طبع، حتى باتت اليوم، لـمغزاها الإِنساني والقومي، “الرواية الأَذربيجانية الوطنية الأُولى”.
رواجُ الكتاب إِذًا لـم يكن لاسم مؤَلِّفه. تكررت محاولاتُ الكشف عن المؤَلّف الحقيقي، ومنذ صدورها ادَّعى كثيرون أَنهم يعرفونه وأَعطوا أَسماء بعضُها حقيقيٌّ والآخرُ افتراضي، حتى ظهرَت الحقيقة الثابتة الدامغة سنة 2004 حين صدر في عدد خريف 2004 من “مجلة أَذربيجان الدولية” مقال عن الرواية الـمنسوبة إِلى “قربان سعيد” فوصلَت إِلى إِدارة التحرير رسالةٌ من ليلى إِهْرِنْفِلْسْ تعلنُ أَنها هي بالوراثة صاحبة الحقوق في الكتاب، مثْبتةً بالوثيقة الأَصلية أَن الرواية تأْليف إِيلْفْريد إِهْرِنْفِلْسْ (Elfriede Ehrenfels) الزوجة الأُولى لوالدها عُمَر، كانت سنة 1937 سجَّلتها باسمها لدى “مؤَسسة المحفوظات الوطنية الأَلمانية” مدوِّنةً في سجلّ المحفوظات أَنها تريد نشرها بالاسم الـمستعار “قربان سعيد”، التوقيع الذي به انتشر الكتاب في لغاتٍ عالـمية وظهر فيلمًا سينمائيًا سنة 2016 بالاسم ذاته “علي ونينو”. وعَرَف الفيلم نجاحًا واسعًا لتصويره رسالةَ المؤَلفة وهي “حثّ الشعوب على إِيجاد الأَساليب المتعددة للتعاوُن والسماح وفهْم بعضِها بعضًا، بعيدًا عن الانقسامات والفوارق العنصرية أَو العرقية أَو الدينية التي لا تـؤُول إِلَّا إِلى التباغُض والتقاتُل وإِفناء بعضِها البعضَ الآخَر”.
رسالةُ الكتاب إِذًا هي أَصل نجاحه ورواجه، دون أَهمية الكاتب وشهرته ورواج كتُبه السابقة. والناشرون إجمالًا يسعَون إِلى المؤَلّف المعروف لترويج كتابه الجديد، لكنّ شهرة الكاتب لا تؤمِّن دائمًا نجاحَ جديده ورواجَه.
إِذًا ليس الكاتب دائمًا هو الـمُهِم، بل الكتابُ بما يحمل من موضوع ومضمون. الكتاب هو الأَساس. الكتاب أَيقونة الوطن، كما بات “علي ونينو” أَيقونة جورجيا الأَدبية. ومتى نجح الكتاب، ولو كان كاتبُه غيرَ معروف، يأْخذ وحده الطريقَ إِلى الرواج والترجمات وتَـحَــوُّلِه إِلى أَعمال سينمائية ومسرحية. وهذه معادَلةُ الأَدب الدائِمةُ بين الكاتب والكتاب.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib