تمامًا على صورة المونديال الرياضي الذي تَشهده ملاعبُ كرةِ القدم الروسيةُ هذه الأَيام، يـجري عندنا مونديال سياسي مستمر مدى الأَيام على ملاعب الكُتَل السياسية في لبنان.
ويتنامى التشابُه، بين فِرَقٍ رياضية متنافسة تتقاذف الكُرَة موجِهةً إِياها صوب المرمى، وكُتَلٍ سياسية متنافسة متخاصمة متجادلة تتقاذف الحقائب الوزارية صوب التشكيل.
وكما يستعين الأَفرقاءُ الرياضيون بلاعبين من الخارج لتقوية الفريق، كذا يستعين الأَفرقاءُ السياسيون عندنا بعناصرَ خارجيةٍ لتقوية حصَتهم الوزارية.
وكما يدوخ الحَكَم الرياضي بتقاذُف الكرة من مرمى إِلى مرمى، كذا يدوخ الحَكَم الحكومي بتقاذف المطالب الحقائبية والحصصية والمحاصصاتية من فوق رأْسه ومن حوله وعن جانبيه.
وكما يُضْطَر الحَكَم الرياضي إِلى تمديد الوقت عند الضرورة، كذا يُضْطَر الحَكَم السياسي عندنا إِلى تمديد وقت المشاورات والاتصالات كي يُفسح للأَقطاب أَن يرخوا نَكَدَهم بمطالبهم وتصلُباتهم وعناداتهم.
وكما يتابعُ المبارياتِ الرياضيةَ جمهورٌ واسعٌ على الملاعب وأَمام شاشات التلفزيون، كذا يتابعُ فصولَ التشكيلة الحكومية جمهورٌ واسع على الأَرض وأَمام شاشات التلفزيون، متحمسين لهذا الفريق، منتصرين لذاك، غاضبين على ذلك، وكل فريق يتكهن بالكسب والخسارة ومزاولة التنظير اليومي والاحتسابات والترجيحات، وفي النهاية لن يحسم الأَمر إِلا المرمى الأَخير، مع فارق أَن الجمهور اللبناني محصورةٌ متابعتُه الرياضية بتلفزيون لبنان بينما متابعتُهُ السياسيةُ مفتوحةٌ على جميع الشاشات، ومجانًا، وعلى مدار الساعة: صباحًا ظهرًا مساءً سهرةً ليلًا، لأَن محركات التشكيل دائرةٌ بدون توقف.
وكما تصدُر تغريداتٌ وتويتريات وتصاريح حول المونديال الروسي، كذا تتطاير التغريدات والتويترات والتصاريح السياسية من كل صوب سياسي: هذا يهاجم وهذا يسخر وهذا ينتقد وهذا يمتدح وهذا يرد وهذا يرد على الرد وذاك يرد على رد الرد، في قراديات أَقرب إِلى الهزْل منها إِلى السياسة المسؤُولة.
وكما يُضطَر الحَكَم الرياضي إِلى استخدام البطاقة الحمراء أَو الصفراء لـمُعاقبة المخالفين، لا يَـجد الحَكَم اللبناني طريقةً لاستخدام بطاقةٍ حمراءَ لهذا الفريق أَو صفراءَ لذاك الفريق، فهو يعمم البطاقات على جميع متقاذفي الكُرَة السياسية لأَنهم جميعَهم مخالفون متجاهلون الديمقراطيةَ والنظامَ اللبناني.
هكذا تتماهى ملاعبُ لبنانَ السياسيةُ مع ملاعب روسيا الرياضية، وهكذا يكون للبنان مونديالُهُ السياسي على صورة مونديال روسيا الرياضي، مع فارق أَن المونديال الروسي موقت ينتهي بالعناق الرياضي، ومونديال لبنان مستمرٌّ بالفراق السياسي بين حردانين وزعلانين ونقَّاقين ومعارضين ومناوئين لم ينالوا حصتَهم من قالب الجبنة الذي كانوا يَنهَشُونه، وباقون ينهشون فيه حتى يصبحَ، ويصبحوا، بدون قالبٍ… وبدون وطَن.
هـنـري زغـيـب