“إِننا نُـنْـشِـئُ واقعًا جديدًا لشعبنا، مستقبَلًا جديدًا لأَولادنا، ونـموذجًا جديدًا للإِنـماء“.
بهذا الشعار الذهبي من دولة الإِمارات، يواصل دأْبَهُ حاكمُ دبـَيّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لاستنباط كلِّ ما يحقِّق الجديد لـمستقبل شَعبه والأَجيال الجديدة والنمُوّ الـمتواصل الـمتوازن الـمستدام.
أَحدثُ ما قرأْتُ عن تحقيقِهِ هذا الشعار الذهبي: إِعلانُهُ بين مقرراتِ مجلس الوزراء هذا الأُسبوع “السماحَ بتأْسيس شركات أَجنبية في دُبـيّ وامتلاكِها كُلِّيًّا 100% من دون شريكٍ إِماراتي، ومنْحَ عشْرِ سنواتٍ إِقامةً دائمةً لـمستثمرين وعُلَماء وأَطبّاء ومهندسين ومقاولين ومبدعين في كل حقل”. وأَردف شارحًا أَن “دبيّ ترحِّب بالـموهوبين رجالَ أَعمالٍ وفكرٍ وإِبداعٍ وتدعوهم إِلى مجتمعٍ رحيبٍ بِقِيَم السماح وبُنْيَةٍ تحتيةٍ ممتازةٍ وقوانينَ صارمةٍ إِنما عادلة، وجميعُها عناصرُ توفّر بيئةً حاضنةً مبدعينَ خلَّاقينَ ومستثمرين أَجانب”.
هكذا تخطِّط دولة لغـَدِها فاتحةً فضاءَها لـهواءٍ جديدٍ مـتجدِّدٍ مجدِّدٍ، يأْتي به مبدعون خلَّاقون في كلّ ميدان، ذوو مواهبَ وافِدَة وأَفكارٍ وافِرَة، فتَعْمُرُ الدولة ينهضون بـها مسانِدينَ مساعِدينَ مكاتِفينَ مُـخاصِرينَ أَهل البلاد على بناء الـمستقبل الأَبقى لشعبٍ يَـمُدُّ يدَه إِلى كل ضيف مُـخْلص، ومِن تضافُر الإِخلاص يكون للبلد الخَلاص.
هذا مجلسُ وزراء مسؤُولٌ يدرس ملفَّات البلاد، يوليها اختصاصيين يبحثون ويراجعون ويدقِّقون ويحقِّقون ويتحقَّقون، قبل أَن يُصدرَ الوزراء قراراتهم كي لا يتراجعوا عنها لاحقًا عند اكتشاف خللٍ فيها أَو خَطَل.
هكذا تُؤَمِّن الدولةُ بُــنْــيَــةً تحتية متينة، من الكهرباء لا من مولِّدات وبواخرَ تثير جدلًا لا على جودتها بل على حصص عمولتها.
هكذا تُؤَمِّن الدولةُ بُــنْــيَــةً تحتية متينة، من شبكة طرقات مؤَهَّلة تَتَأَهَّل باستمرار، فلا تقتصر بلادٌ بكاملها على أُوتوستراد واحد وحيد من أَقصى شمالها إِلى أَقصى جنوبها، تكتظُّ عليه السيارات اختناقًا كلَّ يوم فيمسي التنقُّل بين المدن عذابًا جُلجُليًّا قاهرًا قهَّارًا، ثم تدَّعي الدولةُ أَنّ عندها شيئًا اسمه وزارة الأَشغال والنقل.
هكذا تُؤَمِّن الدولةُ بُــنْــيَــةً تحتية متينة من شبكة اتصالاتٍ حديثةٍ ذات أَليافٍ ضوئيةٍ عصريةٍ لا من شبكة إِنترنت تعمل على الفحم الحجريّ من العصر الحجريّ للإِنسان الحجريّ، ثم تدَّعي الدولةُ أَنّ عندها شيئًا اسمه وزارة الاتصالات.
هكذا تُؤَمِّن الدولةُ بُــنْــيَــةً فوقية متينة 100% من سياسيين رُؤْيويين هَـمُّهم التخطيطُ لتطوير بلادهم وليس تناتُشَ الحقائب الوزارية والعناد في عدد الحقائب وفرْض تصنيفها بين “سيادية” و”خدماتية” و”وازنة” فيما اقتصاد البلاد ينهار تحت نيران الفوضى والمفترضُ أَنهم مسؤُولون مشغولون بتقاسم قالب الجبنة بين الكُتَل النيابية وكَم وزيرًا يحقُّ لكُلّ كُتلة وأَيُّ وزير لأَيّ كتلة وفي النهاية يأْتي إِلى الوزارة مَن تحدِّدُه الكوتا الدينية أَو الـمذهبية أَو الطائفية أَو الـمناطقية.
وهكذا… بين دولةٍ ترحِّب بالـمُبدعين ودولةٍ تُـهَجِّر مُبدعيها، يتبيَّن كيف كانت الإِمارات قبل نصف قرن وباتت اليوم 100% دولةً نموذجية، وكيف دولةٌ كانت قبل نصف قرن نموذجيةً وباتت اليوم 100% ضحية الإِقطاع السياسيّ في أَبشع مظاهره الـجاهليّة.
هـنـري زغـيـب