بين شُجون المواطنين وشؤُون المسؤُولين… وِدْيَانٌ مرعبة.
فيما تـتـلاطمُ شُجون المواطنين بين فقرٍ وعَوَز، بين خوفٍ وقلق، بين يأْسٍ وإِحباط، بين هجرةٍ جسدية وتهجيرٍ نفسيّ، بين قَـرَفٍ من الوضع وكُفْرٍ بالمسؤُولين، تتلاطم شؤُون المسؤُولين واهتماماتُهم بين: عنادٍ على وزارة سيادية، وإِصرارٍ على حقيبة خدماتية، وتَزاحمٍ على حصةٍ وازنة واحتساب المقاعد، ووضع العُقَد والتعقيدات في طريقِ ما يتوهَّمه الناسُ أَملًا بتغييرٍ يُنقِذ البلادَ من هاويةٍ مرعبةٍ تسير إِليها بسبب الغياب الفاجع لأَيِّ حلٍّ جَذريّ.
مع أَن الحل ليس صعبًا ولا مُعَـقَّدًا. وإِذ الواضحُ أَنّ الـمُطالبين بالحقائب لن يكتَفوا بالحكومة الثلاثينية، ولن يَكفيهم حتى ضِعفُ هذا العدد، فلم يبقَ سوى حلٍّ واحدٍ هو التالي: طالما أَننا في دولة غنية بالـمَوارد والـمَداخيل، لا عجزَ ميزانيةٍ فيها ولا ديون خارجية ولا داخلية عليها، بل فيها فائِضٌ من أَموال الاحتياط لا تدري كيف تتصرَّف به لرفاه شعبها الحبيب، إِذًا فَلْيَقْسِموا كلَّ وزارة إِلى اثنَتَيْن أَو أَكثر، ولْتَكُنْ عندنا وزارة للخارجية ووزارة للراغبين في الانتشار، ووزارة للداخلية ووزارة للبلديات ووزارة للأَمن العام ووزارة للأَمن الداخلي، ووزارة للتربية ووزارة لـ”الجامعات غِبّ الطلب”، ووزارة للفنانين ووزارة للمهرجانات غير الفنية ووزارة للآثار الـمَنسية ووزارة للتراث المندثر، ووزارة للطاقة الكهربائية ووزارة للتقنين والتعتيم، ووزارة للموارد المائِية ووزارة للشَحّ المائي، ووزارة للنفط ووزارة لـ”البلوكّات”، ووزارة للمواصلات ووزارة لأَزمة السير ووزارة لأَفكار ومشاريع الجسور، ووزارة للاتصالات ووزارة للــ”واتْسْآپ”، ووزارة للعمل (ولا فرص عمل) ووزارة لليد العاملة الأَجنبية، ووزارة للأَشغال ووزارة للحُفَر، ووزارة للسكك الحديدية (طالـما القطار عندنا ينافس أَجمل قطارات العالم)، ووزارة للتجارة ووزارة للاستيراد ووزارة للتهريب، ووزارة لصناعة الـمَواد الأَوَّلية، ووزارة لزراعة الحشيشة… إِلى آخِر ما يُـمكن أَن يستجدَّ علينا من أَفكارٍ لتقسيم الوزارات ثُنائــيًّا وثُلاثــيًّا ورُباعيًّا، وربما أَكثر. ولا يَنْسُوَنَّ طبعًا “اختراع” عشرات من نُوّاب رئيسَي مَـجلِسَي الحكومة والنواب، وزيادة وزراء الدولة إِرضاءً للإِقطاعيات الدينية والمذهبية والطائفية والأَحزابية والزبائِنية والـمُحاصصاتية والسياسية على أَنواعها، كي تَنْشَرحَ الكُتلُ النيابية، وتَنتعشَ الأَحجامُ السياسية، ويصلَ كاملُ الحق إِلى الـحصص النيابية بِـما يُعادلها في المقاعد الوزارية، وتأَمَّلوا عندئذٍ كيف سَتَطُوفُ علينا الاستثمارات الأَجنبية، وكيف سَيندحر الدولار أَمام الليرة اللبنانية، وينهزمُ اليورو خجَلًا واستنكافًا.
ومتى بلَغَ بنا الازهارُ هذا المستوى الرائع، فَلْتُنْشِئِ الدولةُ طرقاتٍ إِضافيةً وجُسورًا خاصةً لِـمُرور الجحافل من مواكب الوزراء والنواب، كي لا يُزْعجوا المواطنين الأَحباءَ على الطرُقات العادية العامة، وَلْــتَـبْنِ الدولةُ قاعاتٍ وسيعةً وساحاتٍ وسيعةً وباحاتٍ وسيعةً للمؤْتَـمرات والندوات والتصريحات التي ستهطل على شعبنا، يا مَـحلى الـمَن والسلوى، مُـمَــنِّــنَــةً إِيّانا بالوُعُود والعُهُود، وَلْـتُـوَسِّع الدولةُ المطار إِلى مطارات لاستقبال وُفُودٍ سَــتَــتَــقاطَــرُ على لبنان كي تتعلَّم كيف تَـمَكَّن هذا البلدُ الصغير من هذا الحل “الأُعجوبي” لتأْمين رفاه مواطنيه الأَحباء، وَلْتُوَسِّعِ الدولةُ قاعات السراي الحكومي وقصر بعبدا كي يَستوعبا اجتماعات الوزراء الذين سيعملون خمسًا وعشرين ساعةً في اليوم كي يُـؤَمِّـنوا لنا بَلَدًا سعيدًا، وَلْــتُـكْــثِــرِ الدولة من عدد سيارات الـمَسؤُولين الداكنةِ الزُجاج حِرصًا على سلامتهم، وَلْـتُـضاعِـفْ عددَ المرافقين والمستشارين والحراس كي لا يَنزعج خاطر المسؤُولين وهُم يُـخطِّطون للبنان العام 2050.
وعندئذٍ… عندما تَجترحُ الدولةُ جميعَ هذه الحلول، خُذُوا ما يُدهش العالَـم من دولةِ لبنانَ الغنيةِ بالـمَوارد والـمَداخيل، التي لا عَجْز ميزانية فيها ولا ديون خارجية ولا داخلية عليها، والتي في خزينتها فائِضٌ كثيرٌ من أَموال الاحتياط لا تدري كيف تتصرَّف بِهِ إِكْرامًا لِــ…رَفَاه شَعبها الحبيب.
هـنـري زغـيـب