“نقطة على الحرف” – الحلقة 1357
شعار “مكافحة الفساد” : كفالة مصرفية؟ أَم تَكَفُّل سياسيّ؟
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَـد 22 نيسان 2018

في حلقةٍ سابقةٍ من هذا البرنامج أَشرْتُ إِلى أَنَّ كُلفةَ تنظيف مجرى الليطاني ستبلغ 880 مليون دولار، بينما كُلفةُ تنظيف مجرى نهر السين بلغت 11 مليون دولار، أَي أَنَّ كُلفة تنظيف الليطاني تبلغ 80 مرة أَكثر من كُلفة تنظيف السين، مع أَنّ الليطاني أَصغر 4 مرات من السين. فكيف الأَصغرُ 4 مَـرّات يكلِّف 80 مرةً أَكثر؟

وقرأْتُ قبل أَسابيع أَن كُلفة صيانة نفَق سليم سلام وطولُه 900 متر ستبلغ 11 مليار ليرة، ما يعني أَن تأْهيل المتر الواحد سيبلغ 10 آلاف دولار. وإِذا احتسبْنا هذا المبلغ “اللبناني” لصيانة نفَق المانش (ثاني أَطول نفَق مائي في العالم، طولُه 50 كلم)، لكان يلزم لهذه العملية مبلغٌ تَنوءُ عنه مجموعةٌ كبرى من الدول.

مع ذلك، ندَّعي أَنَّ عندنا “وزارة لـمكافحة الفساد”. لكنَّ وزارةً ليس فيها سوى وزيرٍ بلا مقَرّ ولا موظفين ولا ميزانية، ليست سوى ديكور مسرحي فارغ، لا فعالية لها ولا جدوى سوى إِرضاءٍ سياسيٍّ وكوتا طائفية أَو زبائنية أَو مَـحسوبية.

لم نسمع مرةً واحدةً في عمْر الحكومة عن تقرير نشَرَتْه هذه الوزارة، أَو عن توقيفِ مُـخالِفٍ أَو مُـحاكمةِ اختلاسٍ أَو مراقبةِ هدْرٍ أَو ضبطِ فساد، فمَن إِذًا “تكافح”؟ ومَاذا؟ وصحيحٌ أَنّ مؤْتمر “سيدْر” خرج بقُروض وهِباتٍ قاربَت 12 مليار دولار، لكنّ الـمُجتمعين لم يَـمنحوا لبنان “شِكًّا على بَيَاض” بل فرَضوا إِنشاء “آلية متابعة” للتأَكُّد من تنفيذ الإِصلاحات اللبنانية والاستثمارات والمشاريع بدون زواريبِ هدْرٍ واقتطاعِ عُمُولات وإِكراميَّة صفقات. يعني أَن مؤتمر “سيدْر” أَمَّن للبنان قروضًا وهباتٍ كافيةً لتمويل المرحلة الأُولى. فما هي ضماناتُ الحكومة اللبنانية لهذه الدوَل المانحة، طالـما “وزارة مكافحة الفساد” عاجزةٌ عن تحقيق إِصلاحٍ إِداريٍّ واحدٍ كالهدر الفاجع في إِيجاراتٍ تدفعها الدولة لـمَقارَّ ومراكزَ وأَبنيةٍ رسميةٍ حكوميةٍ تَشغلها وزاراتٌ ومؤَسساتٌ عامة؟

وهل هذه الـ”وزارة لـمكافحة الفساد”، لديها تقارير مثلًا عن الفائض في العُمّال والموظفين والمتعاقدين والـمُياومين في مؤَسسات الدولة ودوائرها، وبينهم آلافٌ يتقاضَون أُجورًا ورواتبَ ومخصَّصاتٍ لا جدوى للدولة منها، ولا يستطيع أَحدٌ أَن يفضح الهدر والفساد بالأَسماء والوقائِع والأَرقام طالـما كلُّ واحدٍ من هؤُلاء الـمَحاسيب مَـحسوبٌ على واحدٍ من زعماء “مغارة علي بابا”؟

بعد أَيامٍ يُطلُّ 6 أَيار حاملًا صناديقَ للاقتراع ليس فيها ما يُــبَـشِّر بأَنَّ مَن سيكونون في ساحة النجمة بعد 6 أَيار هُم غيرُ الجاثمين اليوم على صدور اللبنانيين. وإِن لم يكونوا هُم، فأَبناؤُهُم أَو أَصهارُهُم أَو أَقرباؤُهُم أَو أَنسباؤُهُم أَو مَـحاسيبُهُم أَو مستشارُوهُم. فلماذا التعبُ إِذًا على مصاريف هائلة لهذه الانتخابات الهجينة ما دام لن يتغيَّرَ شيْءٌ في بُنية هذه الدولة الفاسدة بسبب طقْمٍ سياسيٍّ نرسله إِلى التنظيف فيعود هو ذاتُه مغمَّسًا بالنفتالين؟

ومع ذلك سنبقى نتطلَّع بأَملٍ – ولو ضئِيلٍ – أَلَّا يَضيعَ تَدَفُّقُ مليارات “سيدْر” على تعهُّداتٍ وصفَقاتٍ وعُمولاتٍ وعلاواتٍ ومقاولاتٍ والْتزاماتٍ وتلزيماتٍ واستزلاماتٍ وتنفيعاتٍ تَـمْتَدُّ من… جسْر جَـلّ الديب إِلى… مَـجرى الليطاني.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib