من أَسوإِ ما يَشُوبُ موسمَ الانتخابات إِغراقُ الناس بالوعُود التي يعرف مُطْلقوها ومتلقُّوها أَنها لن تتحقَّق، وأَنها كلام كاذب لجمهور ساذج يؤْخذ بالكلمات الرنَّانة والتعهُّدات الطنَّانة، فيما الـمُتَنَوِّرون يبتسمون هُزْءًا من الداعين والمدعوّين إِلى هذا الكرنـﭭـال السياسي البشِع المبنيّ على ذَرّ الرماد في عيون مكفوفي البصيرة من الأَزلام والـمَحاسيب والـمُسـتسلمين الـمُستزْلِمين للزبائنيات السياسية.
أَما مُبْصرو البصيرة المتنوِّرون، فبَعد عقودٍ متعاقبةٍ من الوعود العقيمة والالتزامات السقيمة، لم تعد تُقْنعهم صُوَرٌ على حيطان ولا شعاراتٌ على صُوَر.
الـمُتَنَوّرُون لم يعودوا يؤْمنون بطقم سياسي يتناسل عشائريًّا، ولا بِـمُعادلاتٍ قبائلية وتحالفاتٍ ظرفية وتركيباتٍ مزرعجية واتفاقات انتخابية ترتفع موسِـميًّا على أَكتاف الناخبين حتى إِذا نجح الانتهازيون نوّابًا سقطت من ذاكرتهم تلك المعادلات والتحالفات والتركيبات والاتفاقات، فلا يبقى من الصوت الذي أَوصلَهم إِلَّا صدًى يناسب اصطفافاتهم المصلحية.
الـمُتَنَوّرُون لا يريدون نائبًا يرفع يده ترقيعًا ببَّغاويًّا في مجلس النواب بل نائبًا يرفع صوته تقريعًا غاضبًا على اعوجاج أَو صفقة أَو قانون لا يرى فيه خيرًا لشعبه والوطن.
الـمُتَنَوّرُون لا يُذعنون لِـ”مشيئة” سياسية تأْتي بـالنواب، بل يَنْشُدون الوفاءَ في ضمير من أَولاه الناخبون ثقتَهم كي يكونَ صوتَـهُم التشريعي ويَدينَ بالولاء لشعبه لا لأَسياده.
الـمُتَنَوّرُون يرفضون الصوت “التفضيلي” الذي “يفضِّل” مرشحًا على آخَر، ولا يريدون الصوت “الأَفضل” لِمُجرَّد أَنه أَفضل “مِن” سواه، أَو أَفضل “لِـلــ”كيديات السياسية أَو الحزبية أَو الـمَناطقية أَو الـمَحلية الـموسِـمية النافلة. الـمُتَنَوّرُون يُنكرون الصوت “التفضيلي” و”الأَفضل” و”الأَفضليّ”، ويريدون الصوت “الفاضل”: الفاضل للوطن، للشعب، للتشريع، للمستقبل. هذا هو مقياس الـمُرشَّح الـمُؤَهَّل لــ”فضيلة” أَن يتولَّـى النيابة عن شعبه من أَجل مصلحة شعبه.
الـمُتَنَوّرُون يُصَوِّتون للكفاءة العلْمية والـجدارة التمثيلية والـسِجلّ الـمُشَرِّف في الخدمة العامة، ويهزأُون بـنوابٍ يصِلون إِلى ساحة النجمة على “ظهر البوسطة” أَو بـــ”المحدلة” أَو بــ”هَـمرُوجة” موجة شعبية انتخابية. الـمُتَنَوّرُون يَطمحون إِلى نوابٍ في خدمة الشعب عبر الدولة، ويُطيحون نوابًا يَـجْعلون الدولة في خدمتهم ويَسُوسُون الشعب بسُلطة إِقطاعهم السياسي أَو المذهبي أَو الديني أَو الطائفي.
الـمُتَنَوّرُون لم تَعُد تقْنِعهم وُعُودٌ يعرفون أَنها وُصُوليةٌ كذَّابة، ولا خُطَبٌ وشعاراتٌ تَشحن النفوس بـتهيـيصات غرائزية كرنـﭭـالية للسُذَّج البُسَطاء من الناس.
هؤُلاء هُم الـمُتَنَوّرُون الـمُخلِصون الـمُنتمون إِلى هَيْبة الدولة الصالِـحة في الوطن، لا إِلى أَيِّ سياسيّ يتصرَّف بِـمنطق مُتَوَلِّـي القطيع أَو الزريبة أَو الإِصطبل.
الذي من السياسيين (إِذا وُجِد) ينتمي إِلى هذا المبدإِ النقيّ، فلينزَع عنه الانتماءَ الاصطفافي، ولْيتقدَّم ببرنامَـجه من دون كلامٍ فولكلوريّ أَجوف، حتى ينتخبَه الـمُتَنَوّرُون صاحبَ برنامجٍ وطنيّ يُـحاسبونه عليه، عدلًا أَو عزلًا، كما في أَرقى دول العالم.