“نقطة على الحرف” – الحلقة 1356
“تِــرِلَـلِّـي يا لَـــلَــلِّــي”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 15 نيسان  2018

يكاد لم يَـبقَ سطحُ بناية، ولا مسطّحٌ على شرفة، ولا حيطٌ على مبنى، إِلَّا واجتاحتْه صُوَرُ المرشّحين على مقعد 6 أَيّار، منها الثابتُ على لافتةٍ عملاقة، ومنها المتحرّك الجامعُ عددًا منهم على لافتةٍ إِلكترونية تدور وتتقلَّب من صورةٍ إِلى صورة ومن وجهٍ إِلى وجه ومن وعدٍ إِلى وعد.

وإِذا كان شرعيًّا ومشروعًا أَن “يَــبطَح” كلُّ مرشَّح صورتَه أَينما يتسنى له، وحيثما تتيح له ميزانيته الإِعلامية، فاللافتُ في كل هذا الكرنـﭭـال اعتمادُ شعاراتٍ وأَقوالٍ مسجَّعة مرقَّعة، معظمُها متشابِه مكرَّر مُسَطَّحٌ باهتٌ واعدٌ، يشحَنُ العواطف والغرائز والنفوس، وليس فيها ذكْرٌ لبرنامجٍ عمليّ علميّ جِدّيّ مقْنعِ التنفيذ، بل هَوْبَــراتُ “تِــرِلَـلِّـي لَـلِّـي يا لَــلِّــي”.

فأَيُّ جديدٍ مقنعٍ شعارُ أَنّ هذا المرشَّح “في خدمة المواطن” أَو “في خدمة الوطن” أَو أَنه يضحّي “من أَجل لبنان” أَو أَنه سوف يعمل “من أَجل مستقبلٍ أَفضل”، وأَن “لبنان للُّبنانيين” أَو أَن “الخدمة واجب” أَو أَن يصوِّت “المواطن الحبيب” لهذا المرشح الذي – إِذا وصل إِلى مقعده الموعود في ساحة النجمة – سيبدأُ بتحسين لبنان منذ الساعة التاسعة إِلَّا عشر دقائق صباحَ الإثنين 7 أَيار.

ولكي يكتمل هذا الكرنـﭭـال، يطوف علينا خليط هجين من عبارات مكتوبة بلهجة ملفوظة، وبـكلمات غريبةٍ شكلًا على الحيط أو لفظًا على اللسان، أو كتابةً ذات نطق غريب بين “اللي” و”للّي” و”ليلي” حتى لا يعود المواطن الحبيب يفهم من الشعار الهيروغيلفي إلا صورة المرشح المحبوب مدلَّاةً على الحيط، وشعاره واعدًا: “أَنا” و”أنا” و”أنا”.

وتتلاطم شعارات اللوائح ورموزُها ووجوهُها، وجميعُها تستجدي حضرة المواطن الحبيب وتستعطف صوته التفضيلي أقلّه في فترة لا تتعدى حفنة الأسابيع الحالية، ثم يغيب المواطن الحبيب عن صوت سعادة النائب أربع سنوات مرشحة للتمديد والتجديد وعندئذٍ من دون أيّ اعتبار للمواطن الحبيب الذي لا يعود له صوت مفضَّل بعدما يكون أسقط في الصندوقة صوته التفضيليّ لـمرشّحه المحبوب.

ولكان الأمر لا يعني الناس، لولا أن هؤلاء الـمرَشَّحين الـمُرْشَحين صوَرًا على حيطان، يعتقدون أنهم يُقنعون “الناخبين الأعزاء” بتلك الشعارات والوعود، فيما هم، واقعًا، يستخفُّون بعقول معظم الناس، ويستجدون المشاعر والعواطف. وأقول “معظم” لا “كل” الناس، لأن بين المواطنين كثيرين مـمَّن لم يعودوا يصدِّقون هذه الوعود الفارغة الـمفرَغة الـمفرِغة، ولا تنطلي عليهم هذه الإغداقات الموسمية الموَقّتة الظرفية، ويرفضون أن يكونوا رؤوسًا بلهاء سائرة في هذا القطيع الأغناميّ الـمنساق لا رأي له ولا قرار، ويرفضون أن يُصغوا إلى المرشّحين يتعنترون ويشمخرُّون ويمارسون السيطرة على ناخبيهم بآمالٍ وأمنياتٍ ووعود، ومعظمهم حاليًّا في الحكم إنما لم يفعلوا شيئًا للحكم ولا للدولة، ومع ذلك لا ينسَون أن يُشيدوا بإنجازاتهم العديدة الحميدة السعيدة، ويستمدّون من عدَّة الشغل أن يكيلوا لخصومهم أبشع النعوت وأقسى الردود على الاتهامات فيستنبطوا اتهامات مقابلة ترُدّ على الخصوم وتعمّر وعودًا لا يصدِّقها إلّا القطيع من أزلامهم، ولا تنطلي إِلا على السُذَّج من الناس.

صُوَرٌ… صُوَرٌ… صُوَر…، وَوُعُودٌ… وُعُودٌ… وُعُود… وجميعها تسقط بعد 6 أيار وتذوب كالملح أو تزول كفقاقيع الصابون، ولا يبقى منها سوى رفض الـمتنورين كلَّ ما كان وما قيل، وسوى بقايا صورٍ معلَّقةٍ على حيطان.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib