“نقطة على الحرف” – الحلقة 1349
بابل العصر
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 25 شباط 2018

بَـوَّابات ومِنَصَّات ومواقع إِلكترونية مُـغْـرضة مؤْذية هدَّامة

         “يلفت موقعنا إِلى أَنه غيرُ مسؤُول عن هذا النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إِلَّا عن وُجهة نظر كاتبه أَو مصدره“.

         يكتفي الموقع الإِلكتروني بهذه الـملاحظة، ويروح ينشر – أَو يَنقل عمَّن ينشر – أَخبارًا ملفَّقةً وصُوَرًا مركَّبةً واختلاقاتٍ سياسية أَو اجتماعية أَو جنسية أَو فضائحية، على رأْسها دائمًا أَنّ “هذا الموقع غير مسؤُول عن مضمون الخبر أَو مصدر الصورة، وأَن نشْرَهما لا يعبّر إِلَّا عن رأْي كاتب الخبر أَو مصدر الصورة“، ولا يَذكر الموقع اسم كاتب الخبر ولا مصدر الصورة، وغالبًا ما يضطر صاحبُ الخبر الحقيقيُّ أَو مصدرُ الصورة الأَصليُّ إِلى أَن يكذِّب الخبر وينفي صحة الصورة، بادئًا بعبارة “تناولَت وسائل التواصل الاجتماعي خبرًا مفادُه (كذا) أو صورة عن (كذا). يهمُّنا أَن نؤكّد بأَنّ هذا الخبر عارٍ عن الصحة تمامًا، وبأَنّ تلك الصورة هي مركَّبة ولا أَساس لها في الواقع على الإِطلاق“.

         هذه هي الحال الـمَرَضيّة المؤْذية الـمُشوِّهة التي تأْتينا عبر هذه المسمّاة “وسائل التواصل الاجتماعي” من “فايس بوك” و”إِنستاغرام” و”تْوِتِر” وسواها، وسواها.    وفي موسم الانتخابات الحالي، تتناسل هذه التشويهات وهذه الاختلاقات وهذه الأَخبار والصُوَر ذاتُ الَأهداف السياسية الـمغْرضة.

         آخر هذه الصرعة البشعة، خبرٌ قرأْتُه عن مصابيح إِنارة على طريق جزين، منطقة القاطع، تم تركيبُها بالمقلوب، أَي أَنّ المصابيح تضيْءُ مزارع تحت الطريق ولا تضيْءُ الطريق، ومع الخبر صورة تبدو فيها فعلًا أَعمدة المصابيح مُديرة ظهرَها إِلى الطريق ومصابيحَها ِإلى الجهة المقابلةِ الطريق أَي صوب المزارع، كأَنها موضوعة لإِنارة المزارع لا لإِنارة الطريق.

         هالني هذا الخبر وَوَدِدْتُ أَكتب تعليقي اليوم عن هذا الخبر وهذه الصورة، لكنني آثرتُ أَن أَتأَكد من بلدية جزين عن صحة الصورة والخبر، فجاءَني الجواب قاطعًا حاسمًا بأَنّ الخبر والصورة عاريان كلِّيًّا عن الصحة وليس على طرقات جزين جميعِها هذه المصابيح بالشكل الذي تظهر فيه.

         هكذا نحن إِذًا، أَمام بـوّابات ومنصَّات ومواقع إِلكترونية مغْرضة مؤْذية هدّامة، يصدِّقها مَن لا يتحقَّقون منها فيقعون ضحاياها ويروحون يتداولونها ويُسارعون إِلى تناقُلها من هواتفهم الخَلَويَّة أَو من مواقعهم الإِلكترونية الخاصة حتى يتعمّمَ الخبر الكاذب وتنتشرَ الصُوَر المركَّبة، ويتفشّى الأَذى في الناس كأَيِّ وَباءٍ قاتلٍ جماعي يُصيب مدينةً أَو يضرِب بلدًا كاملًا.

         لذا أَرى أَنّ هذه المواقع ستَقْتُل ذاتها بِذاتها، وأَنّ تدميرها سيكون ذاتيًّا آتيًا من أَهلها ذاتهم، لأَنها وسائل افتراضية لعالم افتراضي حقائقُه افتراضية ووقائعُه افتراضية وشعبُه افتراضيٌّ يَقرأُ ويصدّق ويوزّع الخبر ويَنقل التفاهة ويتداول الوباء فَتَتَعَمَّم الفوضى بدون رقيب ولا حسيب ولا مصدر ولا مرجع، وتكون “بابل” العالـم الجديدة.

         وما أَتعس عالَـمًا يكون، بوقائعه وناسه وأَخباره، قائمًا على هذه الــ”بابل” الجديدة. 

هـنـري  زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib