الفنُّ الراقي سفيرُ بلاده
قد لا يتذكَّر الكثيرون – أَو ربما لا يعرفون – تفاصيلَ دقيقةً من أَفلام شهيرة كـ”سيدتي الجميلة” (My Fair Lady)، أَو “قصة حب” (Love Story) أَو “صوت الموسيقى” (Sound of Music) وسواها، لكنهم حتى اليوم يسمعون الموسيقى والأَغاني من تلك الأَفلام لِـمَا فيها من فخامة تأْليف أَو جمال ميلوديا أَو شاعرية كلمات. فالموسيقى لغةٌ عالـميةٌ عابرةٌ حدودَ الـمَكان والـزمان.
وما أَقوله عن موسيقى الأَفلام السينمائية أَقولُه أَيضًا عن موسيقى الـمُسلسلات التلـﭭـزيونية التي تتعدّد حلقاتُها ثم تنطفئ لتبقى في البال والسمْع المستدام موسيقاها الجميلة نجمةً في ذاتها تعيد إِلى الذكرى مشاهد المسلسل. أَستشهد هنا، نموذجًا لا تحديدًا، بـمسلسلات تركية كبرى تسخو على موسيقاها والتأْليف الموسيقي (كما “حريم السلطان”) سخاءَها على الملابس والتمثيل والإِخراج والديكور والتصوير الخارجي في أَماكنَ تُشَوِّق السياح إِلى زيارتها فيكون المسلسل، بقصته وحبكته وحواراته، صورةً في ذاتها للبلاد، وعنصرًا جاذبًا فضولَ الزيارة. ويهتمُّ الأَتراك بفخامة الإِنتاج وضخامة الـموسيقى تأْليفًا وتسجيلًا حتى لتبقى طويلًا كأَيّ قطعة سمفونية ممتعة أَو خالدة.
بذلك يكون المسلسل التلفزيوني سفير بلاده: مناظرَ ومشاهدَ خارجيةً أَو داخليةً في قصور فخمة، تزيد من تنصيع صورة البلاد عبر أَرصدة مسلسلات تلـﭭـزيونية تصبح جزءًا حيويًّا من حضارة البلاد وتاريخها القديم أَو الوسيط ووَجهها الحديث، ما يشجِّع القطاع الخاص على الاستثمار الدعائي في الأَعمال الفنية، لـمَردوده الإِعلامي وتاليًا المالي، لأَن الـمسلسل الناجح يغزو الأَسواق الخارجية، مُترجَمًا بالنص أَو بالصوت، فتغدو الصناعة التلـﭭـزيونية أَو السينمائية ذات ربحية مُشَرّفة أَكيدة.
وانتقالًا إِلى صناعتنا المحلية، ينقصها الكثير من السخاء على مواضيع تُسهم في تنصيع صورة لبنان السياحية والحضارية عبر مسلسل يعكس تاريخنا في قصص وروايات لكُتّاب لبنانيين (مارون عبود، سهيل ادريس، توفيق يوسف عواد، خليل تقي الدين، يوسف حبشي الأَشقر، …) ترفُدُها تَــآليف موسيقيّة راقية لسنا أَبدًا فقراء بمبدعيها، وأَستشهد مثالًا بغبريال يارد واضع موسيقى فيلم “المريض الإِنكليزي” (English Patient) أَو الياس الرحباني (“عازف الليل”، “أَلو حياتي” للمسلسلات التلـﭭـزيونية، أَو “دمي ودموعي وابتسامتي” و”حبيبتي” و”أَجمل أَيام حياتي” للأَفلام السينمائية) ما يجعل العمل باقيًا في الذاكرة بعد انقضاء الفيلم من المشاهدة، كما الموسيقى والأَغاني في أَفلام الأَخوين رحباني (“بيّاع الخواتم”، “سفَر برلك”، “بنت الحارس”)، ما يجعل الفنَّ الراقي في خدمة البلاد: حضارةً زمنية أَو حقبة تاريخية أَو جذبًا سياحيًّا أَو صورة ناصعة عن لبنان الذي يتفرَّد بصفاتٍ خَلَّاقة خُلُقية خَلِيقة بأَن تغزو أَسواق العرب والعالم وتكون سفيرة لنا مشرِّفةً في البلدان، أَكثر بكثير من هذه المسلسلات المترجَـمة أَو المقتبَسة أَو الموضوعة ولا تمثل ذَرَّة واحدة من وجه لبنان.
هـنـري زغـيـب