“أَزرار” – الحلقة 1028
خـارجَ “طَــوق” الـصَــف
“النهار”  –  السبت 24 شباط 2018

حين النظامُ التربويُّ يَقتُلُ الإِبداع  

في العدد 40 (خريف 2012)  من مجلة “التربية والفرنكوفونيا” التي يُصدرها “الاتحاد الكنَدي للتربية” دراسة معمّقة موثَّقة حول “الإِبداع في التربية” وضعتْها الباحثة فرنسِين شينيه (Chainé) من جامعة لاﭬـال في مقاطعة كيبيك الكنَدية، جاء فيها أَنَّ للـمُدَرّس الذي يريد تنمية الإِبداع لدى تلامذته أَساليبَ عدّةً في طليعتها اقتراحُ أَفكار مبتكَرَة، وانفتاحٌ على أَفكار التلامذة وطريقة تعبيرهم عنها، ما يؤَدّي إِلى بناء شخصيتهم الخلّاقة على أَربعة عناصر: السلاسة، الليونة، الفَرادة، وقدرة الابتكار.

هذا أَمر ضروريٌّ، لعلَّه الأَكثر إِلحاحًا في نظام تربوي “يخترق” جدران قاعة الصف الـمُغْلَقة لـ”يَـخرج” إِلى فضاءٍ أَرحبَ أَمام التلميذ، فينفتح ذهنه الاستيعابي على مدى أَوسعَ من محدودية كتابه المدرسي، وعندها تظهر قُدرة كلّ تلميذٍ على العطاء والإِبداع والابتكار، فيَنمو مواطنًا منفتحًا على هواء الثقافة الوافر في حقول شتى من المهارات والدُرَب والفنون، وتتنامى لديه القُدرات الابتكارية الذاتية الفردية الشخصية، خارج مأْلوفِ الإِجابة الشفوية في الصف أَو تلك الكتابية في الفروض المدرسيّة. فحين يخرج التلميذ إِلى بستانٍ أَو مصنعٍ أَو مسرح أَو معمل أَو مزرعة أَو متحف أَو معرض أَو مطبعة أَو مكتبة عامة أَو مؤَسسة تجارية أَو صناعية أَو زراعية، … تنفتح في ذهنه آفاقٌ لا يمكن أَن يقدِّمها له الكتاب بين يديه ولا شَرح المدرِّس في الصف. هكذا ينكسر الجمود البليد في ذهنه الطريّ، يسهِّلُهُ الـمُدَرّس “خارج طوق الصف”، فتنفتح أَمامه آفاقٌ تغذّي تفكيره، وتُسهِّل لديه عملية الخلْق والابتكار والإِبداع، ولا يعود استيعابه مجمَّدًا مضْجرًا منغلقًا على كتاب مدرسي جامد محدود الطاقة دون تغذية خياله الـخَلّاق.

هنا أَهميةُ أَن يكون المدَرِّس منفتحًا على العطاءات الخلاقة فيتقبّل اقتراحات التلميذ ويوفر له الأَساليب والآليات لتفتُّح قدراته التي لن تتفتّح إِذا بقي في الصف تُزهقه رتابة شرحٍ بليدٍ يقابله بإِجابة شفوية بليدة أَو كتابية آلية لا تنبع من موهبته بل من تكرار دَرسٍ تلقَّفه في الصف لا فرصة فيه للابتكار.

إِن في لبنان واحاتٍ وِساعًا تاريخية وأَثرية وسياحية وطبيعية وثقافية وصناعية وزراعية تنتظر تلامذتنا أَن يَـخْــرُجوا من “علبة الصف” إِلى آفاق رحيبة تتفتّح فيها قدُراتهم الخلّاقة على الإِبداع والابتكار، عوَض حشْو أَذهانهم وحقيبتهم المدرسية الثقيلة بمعلومات يَـمُجُّونها سلفًا بدون اقتبال، ويشيحون عن محدوديتها التي لا تُطلق في بالهم أَيَّ شرارة لرغبة تعلُّمية تفتح فيهم الذهن والعقل والمعرفة المبدعة الخلّاقة.

أَلا فلتنكسِر جدران صفّهم الأَربعة، ولتنفتح أَمامهم آفاقٌ معرفية ميدانية لا حدود لها ولا جدران.

هكذا النظامُ التربوي يُهَـيِّــئُ منذ اليوم جيلًا يكون غدًا مواطنًا مبدعًا خلَّاقًا يُسهم في تطوير بلاده وتقدُّمها الأَكيد.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib