“نقطة على الحرف” – الحلقة 1340
“إِغْـضَـبْ… ولا تُـبْـغِـض”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 24 كانون الأَول 2017

إِحمِلِ الكرباج منذ ولادتِكَ الليلة

         تولدُ الليلةَ، وشعارُنا إِليكَ: “المجدُ لِـلَّـه في العُلى، وعلى الأَرض السلام، والرجاءُ الصالح لِــبَني البشر”.

         ولكنّ الـمغارة اليوم، يا طفل الـمغارة، غيرُها على أَيامِك. فــ”المجد لله في العلى” ما زال في الناس يـبحث عن العلى، و”السلام على الأَرض” ما زال مفقودًا بين الحروب والمجاعات، و”بنو البشر” ما زالوا يفتّشون عن الرجاء الصالح بين الدكتاتوريَّــات والتوتاليتاريَّــات.

         تولدُ الليلةَ على خشبةٍ هي الليلةَ مذْوَدُك وبعد سنواتٍ صليبُك، وبين المذْوَد والصليب إِشاراتُ العصر تتهدَّدُنا كلّ يوم.

         تولدُ الليلةَ، وعلى مسافةِ ترتيلةٍ ميلاديةٍ من مغارتك، تَـئـنُّ القدس تحت سياط بيلاطس العصر وقَـيافاه، وهُـما أَقبحُ نيةً من بيلاطس أَيامِك ومن رئيس كهنته.

         تولدُ الليلةَ، وليس على باب المغارة مجوسٌ قادتْهم إِليكَ نجمةُ المشرق، بل يوضاسيّون يترصَّدونك كي يحفِروا لكَ بدءًا من الليلة تضاريس جُلجُلتك، فتتناسلَ الجلجلةُ في كل صقْع مقهور من بلاد العالم.

         ويكون لكَ، قال، أَن تغفِر؟ ويكون لكَ أَن تسامح؟ ويكون لكَ أَن تُــبَشِّر: “مَن ضَرَبكَ على خدِّكَ الأَيمن أَدِرْ له الأَيسر”؟ ولكنّ ضاربيكَ وضاربينا أَحقَرُ خِسَّةً من أَلّا يضرِبوك ويضرِبونا على الأَيسَر، فليس في ضميرهم حـيِّــزٌ لـمَعنى الوفاء، ولا في قاموسهم كلماتٌ للولاء.

         ويكون لكَ، قال، على خشبتكَ المقبلة أَن تقول: “إِغفِر لهم يا أَبتاهُ لأَنهم لا يَدرون ماذا يفعلون؟”، لكنّ الأَجدرَ اليوم أَن تقول لأَبيك :”لا تغفِر لهم يا أَبتاه لأَنهم يدرون تمامًا ماذا يفعلون”. ذلك أَنهم، أَيها الطفل البريء، ليست لهم براءتُكَ بل لهم نوايا سُودٌ تدفعهم إِلى الطغيان بِصَلَفٍ ووقاحةٍ وقلّة ضمير.

         لا هذه ولا تلك، أَيها الطفل البريء: لا أَن تُدير لهم خدَّك الأَيسر، ولا أَن تشكو لأَبيك أَفعالهم، بل أَن تطبِّق مبدأَكَ: “إِغضَب ولا تُبْغض” فتحمِلَ سُوطك اللاهب وتدخلَ الهيكل ساخطًا غاضبًا مُرعدًا وتصرخَ فيهم من جديد: “بيتيَ بيتُ الصلاة جعلتمُوه مغارةً للُّصوص”. ومتى وجدتَ بينهم باراباس احضُنْه بغفرانكَ، واطرُد لصوصَ اليمين جميعَهم خارج هيكلك. فما سوى هكذا يجدر بفِــرّيسيّــي العصر أَن تعامِلَهم، هم الذين، برعايةِ بيلاطسهم الدكتاتور، بدأُوا يحوّلون القدس من مدينةِ الصلاة إِلى بؤْرة احتلالٍ مكرَّسٍ دوليًّا يُدنِّس كنيستَك والمسجِد، ويجعلون حائط المبكى جدارًا للفَصل بين كُفْرهم وإيماننا، فيُوضاسهم لا يغتصب الأَرض ولكنْ يغتصبُ التاريخ.

         الكرباجَ الكرباجَ فَلْتَحْمِلْهُ منذ الليلة، أَيها الطفل الذي يُولَد الليلة، فاترُكْ غصن الزيتون لزمنٍ آخَر، لأَنهم إِذا وقعوا عليه سَيُحَـوِّلونه إِكليلًا من الشوك يَعصُبون به جبينك.

         كلُّ هذا فَــلْـتَـفْـعَـلْهُ منذ الليلة، أَيها الطفل الذي يُولَدُ الليلة، وهو ما ينتظرُهُ منكَ المؤْمنون واللاجئُون والخائِفون والمقهورون واليائسون في الأَرض، وليس في رجائهم سوى أَن تُشرقَ شمسُك من فجر الغضَب وأَن تظلَّ مُشعَّةً عليهم إِلى أَن يُشرقَ فجرُهم من جديدٍ حين يتدحرج الحجَر من جديد عند صباح اليوم الثالث.                                                     

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib