“أَزرار” –  الحلقة  1018
في فرنسا موتُ مُواطن… وفي القدس اغتيالُ وَطن
“النهار”  –  السبت 9 كانون الأَوّل 2017

أَن يتحوَّل “وحشُ المسرح” الـمُغَنّي رمزًا وطنيًّا في فرنسا، حتى إِذا أَغمضَ عينيه إِلى الأَبد نعاه رئيس الجمهورية من قصر الإِليزيه ورثاه الرئيسان الفرنسيان السابقان وكان كرَّمَه الرئيس الأَسبق، فكرامةٌ للفنان تُبقيه حيًّا في ذاكرة المستقبل.

وأَن تسقُط مدينةٌ هي أَصلًا رمزٌ وطنيٌّ فلسطينيٌّ، وإِقليميٌّ عربيٌّ، ودينيٌّ مسيحيٌّ إِسلاميٌّ فيَدعو مجلس الأَمن فورًا إِلى جلسة عاجلة (أَمس الجمعة) ويدعو مجلس الجامعة العربية متمهّلًا إِلى جلسةٍ بعدَ غدٍ (الاثنين)، فعلامةُ أَن الكرامة العربية ليست أَولويةً حيال زلزال كارثي اغتال بالضربة القاضية “قضيةَ العرب الأُولى”.

أَن تتوقّف برامج محطات الإِذاعة والتلـﭭـزيون الفرنسية وبعض الأُوروﭘـية، فتفتح الأَثير لسيرة فنان وأَدائه المبتكَر واستعادة حفلات له قديمة وحديثة، فانعكاسُ حزْن العالم الفرنكوفوني ومعاني باقاتِ الورد أَمام منزله مبلَّلَةً بدموع المفجوعين من نواصي فرنسا إِلى أَقاصي أُستراليا.

وأَن تزدحم محطات الإِذاعة والتلفزيون العربية بشلّالات التهويلات والإِنذارات والتهديدات والتنديدات والاحتجاجات والتظاهرات والمظاهرات والإِضرابات والاعتصامات والتصريحات والشعارات والأُغنيات وأَشعار المناسبات، فإِدانةٌ  فضَّاحةٌ حكوماتٍ متراخيةً على مستوى غضبٍ لفظيٍّ لا يساوي نقطةَ دمٍ واحدةً من شهيد واحد منذ 1948.

سقط جوني هاليداي غيرَ مغدور فارتفع بوفاء مواطنيه يخلِّدونه إِرثًا وطنيًّا للأَجيال المقبلة، وتتدنَّس “القبّة الذهبية” مغدورةً باغتيالٍ سيبقى وصمةَ خطيئَةٍ أَصليةٍ للأَجيال المقبلة.

الغرب يُشَيِّع أَيقونةً أَغنَت تراثه للمُقبل من العصور، والشرق يضيّع أَيقونةً هي في قلب تراثه منذ عصور، ولن ينفعَه البكاء من صفعةٍ ضربَت خدَّه الأَيمن وظَلّ يتخاذَل حتى ضربَت خدّه الأَيسر وتمادت في طعنه إِلى أَن فقَدَ نَـحْـره عند بوابة القُدس الشهيدة، وبات شلوًا هامدًا يَـعبُر فوقه حاكمٌ سفَّاح لا حسَّ لديه حيال شهداء بالآلاف سقطوا كي تظلَّ مرفوعةً هامةُ وطنهم.

دموع فرنسا بلَّلت منها العُروق، وعُروق فلسطين جفَّت من العُقوق.

رحل جوني هاليداي رحيلَ البشر فارتعدَت أُمه، وترحل القدس رحيل الآلهة ولا ترتعد أُمَّـتُها.

وَداعان في العالم يوم الخميس الماضي: في الغرب فنان عمرُه 74 عامًا، وفي الشرقِ مدينةٌ عمرُ نضالها 70 عامًا.

في الغرب “صرحٌ وطنيٌّ” هوى، وفي الشرق كرامةٌ عربيةٌ تهوي.

في الغرب مسيرةٌ بيضاءُ بدأَت من حلمِ فتًى طَموح إِلى وعدٍ بـبُلوغ القمة إِلى تحقيق النجاح، وفي الشرق مسيرةٌ سوداءُ بدأَت من حلم صهيونـيّ (هرتزل) بوطنٍ دائم إِلى وعد بريطانـيّ (بلفور) بـــ”أَرض الميعاد” إِلى تنفيذ أَميركيّ (ترامپ) حقَّق الحلمَ وتَـمَّـم الوعدَ بصلافة الدِكتاتور الأَوحد.

في فرنسا موتُ قيمةٍ فنيةٍ وطنيَّةٍ هزَّت وطنَها وأَوطانَ الآخرين، وفي فلسطين اغتيالُ قيمةٍ تاريخيةٍ وطنيةٍ عربيةٍ دوليةٍ تَـنــتـظر بشكوكٍ كثيرةٍ أَن تتحرَّك أُمَّتُها وأُمَمُ الآخرين.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib