“نقطة على الحرف” – الحلقة 1330
لا “وضعـية الصمت” بل “وضعية الأَخلاق”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 15 تشرين الأَول 2017

آدابُ التَكَلُّم بالهاتف الخلويّ

اليابانيّ من أَكثر شُعُوب العالـم تهذيبًا في المجتمع واحترامًا حضورَ الآخرين، حتى أَن انحناءتَه أَمام الآخَر تُربِكُ الآخَر كيف يـُجيب باحترامٍ مـماثل عن تلك الانحناءَة التحية.

ولم يقتصر تهذيبه على الحركة وحسْب، بل حدَثَ أَخيرًا في الأَماكن الـمُغْلقة (مطاعم، مكتبات، قطارات، قاعات محاضرات واجتماعات،…) أَن انتشرَت لافتةٌ عليها عبارة: “ضَعُوا هاتفَكم الجوَّال على وضعيَّة الأَخلاق“، والمقصود بهذا التعبير ما نُسمّيه نحن “وضعيّة الصمت” (Silencieux أَوSilent )، أَي إِخفاء رنين الهاتف كي لا يطنّ في مواضعَ غير لائقة، فهذا في اليابان عيبٌ اجتماعيٌّ لاأَخلاقي.

هكذا، بكل تهذيب يابانـيٍّ جَـمّ، استخدم اليابانيون عبارة “وضعية الأَخلاق” بدل “وضعية الصمْت” للدلالة على أَنّ لاستعمال الهاتف آدابًا وأَخلاقياتٍ خاصَّةً تفرض على حامله أَن يتحلّى بها في استعمالِهِ جهازَهُ مُهاتفةً أَو إِجابةً.

أَخلاقيّات خاصة؟ نعم. وما أَحوَجَ الكثيرين في مجتمعنا إِلى التحلّي بهذه الآداب الخاصة في استخدام الهاتف الجوّال.

فمنهم مَن يتركونه مفتوحًا في مناسباتٍ وأَوقاتٍ كثيرة ليس فيها من الأَخلاق تركُه مفتوحًا.

ومنهم مَن إِذا رنّ هاتفُهم فتحوه وأَجابوا هَـمسًا أَو جهرًا، مطيحين خصوصيةَ الجلسة أَو الاجتماع أَو المحاضرة أَو الحديث.

ومنهم مَن يُجيبون بصوتٍ مرتفع وسْط جلسةٍ يُرغمون مَن فيها حَولهم على السُكوت كي يُنْجزوا حوارًا هاتفيًّا يكون شاركهم به جميعُ الحاضرين.

 ومنهم مَن إِذا رنَّ هاتف أَحدهم في جلسةٍ أَو اجتماعٍ وانسحَب الـمُهاتَف احتراماً الآخرين، بادروا عند عودته إِلى سؤَاله عَمَّن هاتَفَه وما كان موضوع الحديث.

ومنهم مَن إِذا كانوا في جلسة أَو محاضرة أَو اجتماع، فتحوا جهازهم وراحوا يستخدمونه مُهاتفةً أَو كتابَةً “واتْسْآﭘِّــيَّةً” أَو رسائلَ نصِّـيَّـةً غير عابـئـين بالـمُحاضِر أَو الـمُتكلّم أَو احترام الـموقِف أَو الـموضِع أَو الظرف أَو الـمُناسبَة.

 ومنهم من يُصِرّ على استعمال هاتفه فيما يقود سيارته فيَكتُب به، عينٌ على الشاشة وعينٌ على الطريق، حتى إِذا أَفلتَت منه لحظةُ غفلةٍ سبَّب له أَو ولسواه حادثًا يكون فاجعًا أَو مأْساويًّا.

أَخلاقيات خاصة؟ نعم. لاستعمالِ الـخَلَويّ (أَو الـجوّال) آدابٌ وأَخلاقيّات خاصةٌ تُظهِر تَـحلّي حامِلِه بها أَو تَـخَلّيه عنها.

بلى: طريقةُ استعمال الهاتف الخلويّ مرآةُ أَخلاق صاحبه. إِنها قضيةُ أَخلاقٍ واحترام، أَو صورةُ لاأَخلاقٍ وقلّةِ احترام.

وليست أَبَدًا من الـمصادفة أَن يكون اليابانيون نبَّهوا إِلى استخدام الهاتف الـخَلَوي (أَو الـمحمول أَو الـجوَّال) مستبدلين عبارة “وضعية الصمت” بعبارة… “وضعية الأَخلاق“.

هـنـري  زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib