مع غياب حليم عبدالمسيح الضبع عن 96 عامًا في منزله الأَميركي (كِـنْت، أُوهايو)، فقَدَت مصر والموسيقى العالَـمية مُـؤَلِّفًا عالَـميًّا خلَّد للقاهرة موسيقاه في مشهدية “الصوت والضوء” (منذ 1961 بتكليف خاص من الرئيس عبدالناصر)، وللإِسكندرية موسيقاه في افتتاح مبنى مكتبة الإسكندية الجديد (2002)، وخلَّد في نيويورك موسيقاه لباليه “كْـلـيـتِـمْـنِـسْـتْــرا” (1958 بطلَب من الكوريغرافيَّة العالَـمية مارتا غراهام)، إِلى مؤَلّفات موسيقية أَسّس بها، منذ استقراره في أَميركا قبل 60 سنة، حقولًا جديدةً في التأْليف الموسيقي، أَبرزُها ريادتُه في تأْليف الموسيقى الإِلكترونية، وإِدخالُه في الكتابة السمفونية الغربية آلاتٍ شرقيةً وأَفريقية، باحثًا مُـجدِّدًا في الموسيقى الإِتنية الأَفريقية، ونفّذ أَعمالَهُ عددٌ كبيرٌ من الأُوركسترات الأَميركية والعالَـمية، وفِرَقِ رقص الباليه والرقص التعبيري، وموسيقى الحجرة، وأَعمال العزف المنفرد، ومعظمُ هذه الأَخيرة تركَّزت على الإِيقاعات وآلاتها من طُبُول ودفوف وسواها.
أَتوقّف هنا عند هذه الأَخيرة، والإيقاعُ أَساسُ العمل الموسيقي لتركيز سرعته وفواصله ومناخه. ونتيجةَ أَبحاث الضبع الإِتنية عن موسيقى الشعوب في العالم، وضع عددًا من الأَعمال المرتكزة على آلات الإِيقاع وحدها، لأُمسية موسيقية كاملة تتعدّى نكهتها الأَفريقية إِلى مناخاتٍ عامّة من الفرح والبهجة وطقوس احتفالية بعُرس أَو بِنَصر أَو باستذكار، وفي جميعها رسالةُ محبةٍ وسلام.
وفي وِقفتي عند طبول موسيقاه ومناخاتها، أَراني أُتابع حولنا في لبنان والمنطقة والعالـم طبولَ الحرب والأَهوال، داعشيًّا عندنا، خصاميًّا في المنطقة بين دولٍ مفترَضةٍ مبدئيًّا “شقيقة”، ونوَويًّا في عالـم واقف على شَفا الخطر الهيدروجيني بين واشنطن وﭘـيونغْيانغ، ولا أُغفل التنكيل التهجيريَ الوحشيّ بالـمُسلمين الـمسالـمين في روهينغا تُمارسه سلطات ميانْـمار الرسمية ضدّ تلك الأَقلية المتَّهمة بــ”البنغالية”، وتبطش يوميًا بهم قتلًا وذبحًا كي تطردهم من البلاد وتطيحهم إِلى صحارى العالـم الـمنتظر انعقاد مجلس الأَمن كي يُصدر “بيانَ استنكار”، ولا أَتناسى “داعشيات” الدهس والقتل والطعن والتفجير في عددٍ متزايدٍ من عواصم العالَـم وكُبريات مدُنه المكتظة بالسيّاح الآمنين والمواطنين الأَبرياء.
هكذا إِذًا: حليم الضبع الفنانُ يقرع طبول الفرح والسلام، وضِباعُ العالـم البشريةُ تقرع طبول الحروب والتشريد والتهجير والإِبادة والقتل العنصري والطائفي والمذهبي، على إِيقاعات شريرةٍ شيطانيةٍ شرسة تُنذر باتساعها إِن لم يهرع العالـم إِلى استـئـصال جذورها من أَعمق تربتها النائمة تحت غطاء الليل الحاقد.
هنا الموسيقى رسالةُ فرحٍ بالطبول على إِيقاع السلام لرفاه الإِنسانية، وهناك طبول الكُره والحقد على إِيقاع الشر لأَذى الإِنسانية.
وبين حَكايا السلام وشظايا الحروب، تقف الموسيقى رسالةً خالدةً تُنقذ الإِنسان من وحشيته الغابَـوِيّة، وتُعيده إِلى رشده الضائع اليوم بين سادية البشر لـحصاد الموت وإِنسانية الإِنسان على بيادر الحياة.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib