“نقطة على الحرف” – الحلقة 1325
انطلاقُ العام التنفيعـي
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 10 أَيلول 2017

مع انطلاق العام الدراسيّ هذه الأَيّام في لبنان والعالم، أَخذَني فُضولُ الاطّلاع إِلى كيفية استقبال العالَـمِ العامَ الدراسيّ، قبل العودة إِلى كيفية استقباله في لبنان.

في مدينة سَاسِّكْس البريطانية اعترض الأَهل على توحيد الزيّ المدرسيّ للصبيان والبنات لأَنه يُلغي الجندرة بين التلامذة، ويلغي التمايُز الأُنثوي عند الفتيات.

وفي إِيطاليا التي اختَصَرت أَيّامَ العُطلة إِلى حدها الأَدنى، يُـخيَّر التلامذةُ بين نظامَين مدرسيَّين: الأَول مكثَّف، والآخر منبِسطٌ على أَنشطةٍ كثيرةٍ غيرِ صَفّيّة.

وفي أَلمانيا دوامٌ باكرٌ جدًّا يـبدأُ في السابعة والنصف كي يتاح للتلامذة وقتٌ بعد الظهر يُزاولون فيه أَنشطةً لاصَفِّيَّةً تغذّي مواهبَهم وميولَهم وهواياتِهم تحت أَنظار الأَهل.

وفي روسيا، يومُ المدرسةِ الأَولُ اسمُه رسميًّا “يومُ المعرفة”، يحمل فيه كلُّ تلميذٍ باقةَ زهرٍ إِلى معلّمته، ثم يجتمع التلامذةُ إِلى النشيد الوطني يليه وعدُ التلامذة جهارًا أَمام المسؤُولين أَن يجتهدوا فيُحَصِّلوا أَعلى العلامات.

وفي الصين يدخل إِلى المدرسة نحو 220 مليون تلميذ إِلى نظامٍ مدرسيٍّ لا يزيد عن 28 ساعة دَرْس أُسبُوعيًّا لترْك المجال واسعًا أَمام التلامذة كي يتلقَّفوا معارفَ أُخرى لاصَفِّيَّة.

وفي بلجيكا تم تخفيضُ ساعات الدرس وأَيّام العُطلة، وزيادة تقْديم الدولةِ مَـجّانًا قرطاسيةَ التلامذة وكتبهم المدرسية، مع الحرص أَلَّا يزيدَ العدد في الصف الواحد عن 22 تلميذًا.

وتطول اللائحة العالَـمية، ولا ينتهي الكلام على فضائل الأَنظمة التربوية في الدُوَل الراقية، وجميعُها تتركَّز على رفاه التلامذة النفسيّ والمعنويّ لترغيبهم وتأْمين راحتهم في الدرس كما في الأَنشطة اللاصَفِّيَّة المجانية.

هذا في العالم، فماذا في لبنان؟

قبل أَيّامٍ بدأَ عندنا العامُ الدراسيُّ بِدُوار زيادةِ الأَقساط وغَلاءِ الكتُب المدرسية وازديادِ عناصر القرطاسية وأَدواتِها وأَثمانها الباهظة، وتهديدِ المعلّمين بالإِضراب، وبمقاطعة تصحيح الامتحانات، وحتى الإِنذار بتعليق العام الدراسي، وانعكاس سلسلة الرتب والرواتب، وزيادةِ الضرائب على القدْرة الشرائية، وعجْز الأَهل عن إِرسال أَولادهم إِلى المدارس الخاصة، دينيِّها والعلمانـيّ.

وسْط هذا الدوار: أَين الاهتمامُ بالتلامذة؟ أَين الجديد في نظامهم التربويّ؟ أَين الإِضافات في الأَنشطة اللاصَفِّيَّة؟ ماذا تقدِّم المدرسةُ تربويًّا للتلامذة لقاءَ رفْعها الأَقساط، وإِرهاق إِمكانات الأَهل بِـمُتَطلّباتٍ هِرْقِلِيَّةٍ بين تسجيل التلامذة وتأْمين قرطاسيّتهم ونار الأَقساط ولهيب كلفة الأُوتوكار، وما سوى ذلك من مدفوعاتٍ لم نسمَع مقابِلَها عن أَيِّ نهضةٍ تربوية أَو جديدٍ تعليميّ أَو أَيِّ ما يتعلق بالتلميذ لتغذية آفاقه المعرفية وتحصيلِه العلْمي تكونُ المدرسة – لصالح التلميذ – أَضافتْه على مناهجها أَو على نظامها أَو على أَنشطتها.

كل الاهتمام مركَّزٌ على مصلحة المدرسة تجاريًّا، ومصلحة المعلّمين مادِّيًّا، ومصلحة الناشرين المدرسيين تنفيعاتيًّا، وخنْق الأَهالي ماليًّا، والجميعُ ينادون بـ”مصلحة التلميذِ” والتلميذُ آخِـر مَن يهتمُّ به هذا القطاعُ التربويُّ المضروبُ من رؤَسائِه إِلى مُدرائِه إِلى مسؤُوليه إِلى معلّميه، هؤُلاءِ الذين ليس التلميذ أَكثرَ من سلعةٍ بين أَيديهم: تُباع وتُشْرى في سوق التضارُب والضرائب والإِضرابات والمضاربات.                                                                                               

هـنـري  زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib