بين قراءاتي هذا الأُسبوع، خَـبَـرٌ من دُبَـيّ أَنَّ حاكمَها/رئيسَ مجلس وُزَرائها/نائبَ رئيس الإِمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أَصدر قرارًا يعاقب مرتكبي “التفحيط” (“التشفيط”)، وهو “القيام بحركات استعراضية خَطِرة بسياراتهم في الشوارع”. والعقوبة: إِلزامُ المستهترين المخالفين بالعمل أَربع ساعات يوميًا طيلةَ شهرٍ كامل في تنظيف الشوارع العامة، لابِسين مريولَ عمّال التنظيفات.
وهذه العقوبة ذاتُ وجهَين: الأَوّل خدمةُ المدينة بتنْقِية شوارعها من النُفايات والزبائل، والآخَر منعُ الـمتهوّرين من تسبيبهم أَضرارًا نفسيةً وجسديةً تطال المواطنين في الشوارع بترويعِهم وتهديدِ سلامتهم.
على أَن لهذه العقوبة أَثَرًا بليغًا على أَكثرَ من صعيد:
فهي أَوّلًا بعيدةٌ عن العنف، وهي ثانيًا تُشعِر المخالفَ بالإِذلال: أَن يرتدي مريولَ عمّال التنظيفات ويَظهرَ في الشارع أَمام عموم الـمارّة بهذا المنظر الـمُخْـزي، وهي ثالثًا أَغلى وأَقسى من أَيِّ غرامةٍ مالية مهما ارتفعَت، وهي رابعًا تَردَع المتهوِّرين الرُعَناء عن القيام بتلك التصرُّفاتِ الخطرةِ الـمؤْذيةِ الـمُثيرَةِ اشمئزازَ الآخرين وتبرُّمَهم من قيادة أُولئك السائقين زيكزاكيًّا بين السيارات، أَو الرافعين الدولابَ الأَماميَّ للدراجة النارية بقيادتها على دولابها الخلفيّ فقط، أَو الـمطْلقين عادمَ الصوت في السيارة حتى يَهدرَ مفرقعًا في الليل بمرورهم في أَحياء سكنية يَـخْلُد سكَّانها إِلى النوم.
لكنّ هذه المخالفات وسواها، تبقى تفصيليّةً أَمام الأَمر الأَهَم، وهو فَــرْضُ هَيبةِ الدولةِ النظامَ الصارمَ، والسهرُ على تطبيقه بالحزم والفاعلية القصوى حتى يشعُرَ المواطن أَنّ الدولة حاضرةٌ ليلًا نهارًا في الطريق عند كل منعطَف وشارع وجسر وتقاطُع، فلا تبقى الطرقات فالتةً من الرقابة، ولا يعودُ السائقُ يقودُ بسرعةٍ رعناء، أَو يتلولبُ زيكزاكيًّا بين السيارات، أَو ينطلقُ بدون حزام الأَمان، أَو يتحدّثُ بالهاتف الخلَوي وهو يَقود، أَو يَطلي زجاجَ سيارته بالعازل الأَسْوَد من دون إِذنٍ ولا تبرير، إِلى آخر ما يمكن أَن يَـتَـفَـتَّـقَ في مخيّلة شبابنا على الطرقات من تصرُّفاتٍ تجعلُهم يَشعُرون بعنتريةِ أَنهم فوق مجتمعهم والقانون، حتى إِذا أَوقفهم شرطيٌّ يتمرجلون عليه ويتَّصلون بِـمَن يُخلّصهم من المخالفة، وهذه جميعُها تنتفي حين يتعمَّمُ النظام على الجميع، فيسودُ القانونُ سَواسيةً على المواطنين، ولا يعودُ بينهم مَن هُم أَزلامُ هذا السياسي أَو محاسيبُ ذاك الزعيم.
هَـيـبـةُ الدولة ليسَت في سَنِّ القوانين بل في تطبيقِها، كي يَهابَها المخالفون فيرتعِدُوا ويرتدِعُوا. وهنا معيارُها في إِثبات أَنها دولةٌ، وليست مزرعةً فوضويةً لا رأْسَ لها ولا نظامَ ولا قانون.
هـنـري زغـيـب