تتسابقُ المواقعُ الإِلكترونية العالمية، ومعها المؤَسساتُ المعنيَّةُ بالثقافة والنشر، إِلى تشجيع القراءة في وسائلَ ترغيبيةٍ عصريةٍ لا تُعيد القارئَ إِلى وسائِطه الوَرَقية التقليدية، بل تُسهِّلُها له بطرائقَ رقميةٍ حديثةٍ تُتيحُ له قراءةَ الكُتُب على شاشة هاتفِه الخَلَوي، أَو لَوحِه الذكيّ، أَو جهاز الكومـﭙـيوتر في غرفته.
الهدف من ذلك واضحٌ ووحيد: حَـثُّ الجيل الجديد على القراءة والاطِّلاع والمعرفة، في أَبسط الوسائل، وأَقربِ الوسائط بين يديه يوميًّا أَكثرَ من كتابه التقليديّ الورقيّ: المدرسيّ الخاص، أَو الثقافيّ العام، أَو العلميّ المقرّر في المنهج الدراسيّ.
وفي موقعٍ إِلكترونيّ عثرتُ هذا الأُسبوع على هذا العنوان: “هذه السيدةُ تقرأُ 100 كتاب في الشهر، وإِليكُم كيف تستطيعون أَن تفعلُوا مثلها”. قرأْتُ التفاصيل، فإِذا في الموقع تَطبيقٌ خاصٌّ لقراءة الكتُب، يتناول كتابًا، يختصر فصولَه في مقاطعَ رئيسةٍ تعطي أَوسعَ فكرةٍ عنه وعن كاتبه، حتى إِذا تحمَّس له القارئُ اقتنى الكتاب الكامل، أَو قرأَه إِلكترونيًّا، أَو اشتراه بالتطبيق الرقميّ.
هكذا تمكَّنَت تلك السيدةُ الأَلمانية من برلين أَن تقرأَ ثلاثةَ كتب يوميًّا، وأَحيانًا أَربعة، ما يَجمع 100 كتاب في الشهر.
أَخذَني هذا الأَمرُ إِلى الاطّلاع على المؤَسسات ودُور النشر الداخلةِ عمَليًّا في هذا الفضاء الإِلكتروني، فإِذا بها تُصِدر آلاف الكتُب الرقمية الكاملة، أَيًّا يكُن حجمها، معروضةً لجميع القُرّاء في أَيِّ لغةٍ وأَيِّ بلد، بالكتابِ الصوتي، أَو المقروءِ على شاشة الهاتف المحمول أَو أَيِّ شاشةٍ أُخرى لدى مقتنيها.
وعاد الأَمر فأَخذني إِلى قارئِ العربية، وهو بدأَ أَخيرًا، ولو بِـــبُطْءٍ، يُطالع جريدته الصباحية على الشاشة، لكنه نادرًا ما بلغ أَن يقرأَ كتابًا كاملًا أَو مختصَرًا على الشاشة أَمامه. ولا أَدري كم بات الكتابُ العربيُّ الإِلكترونيُّ الرقميُّ متوفرًا، وكم تطوَّر الواقعُ منذ “تقرير منظمة الأُونسكو للتنمية البشرية” أَنَّ كلَّ 80 عربيًّا يقرأُون كتابًا واحدًا في السنة، مقابل مواطنٍ أُوروﭘـيٍّ واحدٍ يقرأُ في السنة 35 كتابًا، أَو منذ تقرير “مؤَسسة الفكر العربي” عن “التنمية الثقافية” وفيه أَنَّ العربيّ يقرأُ بمعدَّل 6 دقائق في السنة، مقابل كلِّ أُوروﭘّـي يقرأُ في السنة بمعدل 200 ساعة، أَو منذ تقرير الأَلْكسو عن “النشر في العالم العربي” أَنّ كتابًا واحدًا يَصدُر لكل رُبع مليون عربي، مقابل كتابٍ لكلِّ 5000 مواطن غربي، ويصدر نحو 1500 كتاب عربي في السنة مقابل 85 أَلف كتاب سنويًّا في الولايات المتحدة وحدها.
أَهو تقصيرُ قارئِ العربية؟ إِجمالًا لا. ولا أُعمِّم.
التقصيرُ غالبًا هو مِـمَّن ليس يَسعَون إِلى تسهيل الكتاب “الجيّد” لقارئِ العربية بالوسائط العصرية الرقمية الإِلكترونية، حتى تتوفرَ لهذا القارئِ نُصوصٌ مقبولةٌ سائغةٌ سلِسَةٌ غيرُ مُـمِلَّة وغيرُ متقَعِّرةِ اللغة العتيقة والمضامين البالية. وحتى إِذا لم يقترب قارئُ العربية من معدَّلات نظيره الغربي، يــبقى أَن نَنظُر أَيضًا وأَيضًا إِلى مُعْضلات المضمونِ المعقّد، في لغةٍ عربيةٍ ما زالت تتقلّص بين صفوف جيلنا الجديد، بسبب مستخْدِميها ومقدِّميها من مُدَرِّسين ومؤَلّفين وإِعلاميين، يستخدمونها وسيلةً عَجلى لا غايةً فضلى، والعربيةُ، في جوهرها، من الجمالِ والأَناقةِ ما يَليقُ بها أَن تكونَ، في ذاتها، أَجملَ غاية. هـنـري زغـيـب