لو لم أَعرفْ عمرَه لقلتُ إِنه من طلائع الجيل الجديد الطالع على تكنولوجيا العصر الإِلكترونية من بابها الأَوسع.
إِنه ميشال سير(Serres) الفيلسوف الفرنسي (87 سنة) عضو الأَكاديميا الفرنسية منذ 1990، صاحب كتاب “الإِصبع الصغيرة” Petite Poucette (باريس 2012)، وهو خطابٌ كان أَلقاه في جلسة عامة للأَكاديميا الفرنسية (1 آذار 2011)، وفيه أَعلَن أَنّ “العالَـم تَغَـيَّر جذريًّا حتى بات على أَجيالنا الشابة أَن تـخترع كلَّ شيءٍ من جديد”. واعتبر أَن “العالم الذي عرف نَقْلَـتَين ثوريَّـــتَين: من الشِفاهة إِلى الكِتابة، ومن الكِتابة إِلى الطِباعة، يعرف حاليًّا نقْلَته الثوريّة الثالثة مع جيلٍ ناشئٍ يتعامل ومضًا بـ”السرعة الرقمية” عبر إِصبعه الصغيرة على مكابس الكومبيوتر أَو جهازه المحمول”.
من هنا تسميتُه شبابَ هذا العصر “جيل الإِصبع الصغيرة” الذي يشهد ثورة كينونية تُرافقها تغيُّراتٌ جذرية على المستوى السياسي والاجتماعي والإِدراكي، وسْط أَزمات تُزلزل جُـلَّ مفاهيمَ قديمةٍ كانت سائدةً حتى اليوم. والحقبة الحالية التي يُنْشئها الجيل الطالع تفترض “اختراع” طريقة جديدة كليًّا للعيش معًا، وطريقًا للحياة والمعرفة، في مجتمع افتراضيٍّ غيرِ ماديٍّ مشبوكٍ عبر الإِنترنت بمجتمعنا الراهن التقليدي، يصبح معه عالَـم اليوم افتراضيَّ التواصل بُلُوغًا إِلى شبكة العلاقات الإِنسانية الواقعية. ويبدأُ هذا العالَـم من قراءات باتت رقمية غيرَ ورقية، يُتقنها الجيل الجديد ولم يبلغها معظم جيلنا التقليديّ بعد. من هنا ضرورة لحاق هذا الأَخير بإِيقاع الجيل الجديد كي لا يغرق جيلُنا في رمال تقليدية متحركة تُراوحه مكانَه فيما يَظُن أَنه يتقدَّم مع العصر، غيرَ مدركِ أَن نظرياته باتت عقيمة سقيمة لا مستقبل لها. فالنور البهيُّ الطالع اليوم يضيء طريق المتنورين من الجيل الجديد، ويُعمي الـمُصِـرّين على البقاء في الاعتياد الرتيب القديم.
التكنولوجيا الرقمية غيّرت مفهوم العلاقات بين الناس، وبات حق الحصول على المعرفة متاحًا للجميع بضغط إِصبع صغيرة على موقع إِلكتروني يقدِّم في ومضة وثّابة ما كان يستلزم أَيامًا مطّاطة من الانتقال إِلى مكتبة أَو جامعة والبحث في آبار الكتب والمراجع. الطالب الجديد اليوم لم يعُد متلقّيًا سلبيًّا مضمونَ نَص الـمُحاضر في الصف بل سبَق الـمُحاضر إِلى استنارات رقمية بالإِنترنت حول موضوع المحاضرة. الطالب اليوم بات أَكثر درايةً من الماضي، ومساويًا أُستاذه في المنهل فلا تنقصه إِلّا استيضاحات، إِن احتاج إِليها، تعينه على استيعابه المادة كاملة. من هنا تحوُّل العلاقة جذريًّا بين المعلم والطالب، وتغَـيُّـرُ العلاقات الحاليّة مع معظم المهارات التقليدية السائدة اليوم.
إِنها الحرية الجديدة، حرية الحصول على المعرفة، في بيئة رقمية تَسِمُ القرن الحادي والعشرين، وتستوجب سريعًا وضعَ سُنَن وقوانين وتشريعات تكون جديدةً كليًّا، تفرضها شبكة الإِنترنت في فضاء سيبرنيتي جديد ذي قطيعة حادة مع فضائنا التقليدي الحالي.
وهذه هي ثورة العصر الحقيقية.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib