مع اقتراب الموسم المدرسي، ينشغل الأَهل هذه الأَيام بجمع لوازم السنة الجديدة، كتبًا ودفاتر وقرطاسيّةً شتّى. ولَكَان الأَمر روتينيًّا ككل عام، لولا أَنّ مدارسَ معيَّنةً أَخذَت تُقَلِّص من اللوازم الورقية في لائحة الكتب، وتفرض مكانها لوازمَ وأَجهزةً إِلكترونية، انسياقًا مع الثورة الرقمية الآخذةِ في غزو جميع القطاعات والشُعَب في حياتنا اليومية: الشخصية والمهنية والتربوية.
أَبرز هذه الأَجهزة المطلوبة: اللوح الذكي (Ipad, Tablette) الذي يقرأُ عليه التلميذ نصوص الكتب، وأَسئلة المعلّم، ويكتب عليه فروضه ومسابقاته، ويرسلها إِلى التصحيح، تمامًا كما الحال راهنًا باستخدام الكتب الورقية والدفاتر وأَوراق الامتحانات.
هذا يعني أَوّلًا إِلغاءَ القلم والورقة، وبدءَ علاقة التلميذ مع الكتابة على مكابس الكومـﭙـيوتر، فلا تعود لِيَدِه أَيُّ علاقةٍ بالكتابة الخطية.
وهذا يعني ثانيًا بدءَ استخدامه الكتبَ الإِلكترونيةَ على صفحة اللوح الذكي وهَجْرَه التدريجيَّ الكتابَ الورقي، بدليل أَن المدارس بدأَت تــنَــبِّــهُ التلامذة: “جِــيــئــوا بِــجهازكُـم معكم” – Bring your own device – BYOD.
وهذا يعني ثالثًا ضرورة إِدخال الأَهل كذلك إِلى هذا العالم الإِلكتروني بتطبيقاته المؤَاتية وأَساليبه المتعدّدة وملفَّاته الكثيرة على الشاشة، كي يتمكَّنوا من مساعدة أَولادهم، أَو على الأَقل متابعة دروسهم والواجبات المدرسية.
الضالعون في الأَمر يجدون فيه تطوُّرًا تكنولوجيًّا يواكب العصر الإِلكتروني الرقمي الذي يبدأُ من هواتفنا المحمولة وما فيها من تطبيقات وتسهيلات، ولا نعرف أَين ينتهي أُفقه المذهل اللامحدود. ولكن ماذا عن غير الضالعين بعدُ بالتعامل مع الكتُب الرقمية والصحُف الإِلكترونية والأَجهزة التي أَخذ الأَولاد يعتمدونها، بارعين بها أَلعابًا وتسالي، وها هي تنتقل بين أَيديهم من التسلية إِلى الواجبات المدرسية.
أَمام هذا الواقع الثوري الـمُداهم، تنشب أَسئلةٌ جوهرية: هل نُـمُـوُّ التلميذ باقٍ طليقًا: أَم هو خاضعُ التَبَعية للأَجهزة بين يديه؟
وهل هذا التطوُّر مع العصر هو نحو الأَفضل؟ أَم نحو الأَسوإِ عند الكلام على عُموم التلامذة في مدارس لم تكتمل فيها بعدُ تجهيزاتٌ تفترضُها الثورة الرقمية وشبكةُ إِنترنت على التلميذ أَن يظل مشبوكًا بها؟
وهل بعدُ من علاقة تربوية مباشرة، بين الـمُدرّس والتلميذ، حين يقدّم التلميذ امتحانه على شاشةِ لَـوْحِهِ الذكيّ ويرسله بالإِنترنت إِلى المعلّم، ويصحّحه المعلِّم ويعيدُه إِلى التلميذ إِنترنِتيًّا تاركًا إِياه يتخبَّط في تساؤُل واستفسار لا جواب لديه عنهما؟
وهل الذكاء الآليُّ مفيدٌ لتطوير الذكاء البشري لدى التلميذ؟ أَم هو يُعَوِّدُهُ على كسَل عقله وتكاسُل قدراته الذهنية؟ وماذا عن التلامذة الأَقلِّ ذكاءً، والمعانين قُصورًا في الفهم أَو الاستيعاب على الورق البطيء، فكيف بهم على الشاشة السريعة؟
وهل هذا التطوُّر لخدمة الإِنسان كي يلحق بالعصر؟ أَم خدمة “التكنولوجيا للتكنولوجيا” على معادلة “الفن للفن”؟
وهل جميع المواد باتت متوفِّرة على الأَلواح الكبرى في الصف، كي يتلقاها التلميذ على لوحِهِ الذكي؟
في كل ما قرأْتُ حول هذا الموضوع، لم أَقرأْ أَنّ العربية موادَّ ونصوصًا موجودة في المتطلّبات المدرسية الرقمية والإِلكترونية، فهل العربية قاصرة إِلى هذا الحدّ عن اللحاق بتطوُّر المواد الأَجنبية علْميِّها والأَدبي؟
إِنها ثورة العصر، داهَـمتْنا ونحن غافلون في أُمور يومية نافلة، وسوف يلفظُنا العصر إِن لم نستلحقْ دورنا مسجِّلينَهُ في القطاعات الجديدة، وإِلَّا فسنبقى نفكّر بسرعة القطار البخاري فيما سوانا يفكِّر بسرعة البرق الإِلكتروني.
هـنـري زغـيـب
www.henrizoghaib.com