وردتني أَمس صورةٌ لكنيسة في سانتا فيه – نيومكسيكو، شرح لي صديق مرسلُها أنها تعود إلى 1872، أي نحو 150 سنة، وأنّ فيها سلّمًا خشبيًا ذا أدراج لولبية عالية جدًّا، مبنيةٍ بشكل مذهل من دون مسامير ولا براغٍ ولا أي دعم من عمود أو سند من الأرض حتى أعلى درجاته، كأن السلم كعلّق في الهواء، ومع ذلك يحتمل أوزان الصاعدين إليه من دون اي خطر أو اهتزاز.
ولهذا المشهد العجب، اتخذ السلم الخشبي في كنيسة لوريتّو طابعًا دينيًّا سياحيًّا يقصده المؤمنون وغير المؤمنين فلا يخرجون إلّا وعلى شفاههم تمتمة واحدة أن بناء هذا الدرج ليس أقل من أعجوبة خارقة لا تفسير علميًّا لها.
ولاكتساب الدرج هذا الطابع الفريد في العالم، تحولت الكنيسة متحفًا بإدارة رهبنة لوريتو، وباتت مقصدًا للأعراس، يقيم فيها عرسه من يريد تخليد زفافه عند هذا الذي بات اسمه “الدرج الأُعجوبي” أو “درج الأعجوبة”. ومع الظاهرة تواترت الأقاويل، الأسطوري منها والإيماني والتشكيكي، بين مؤمنين يصلون عنده على أنه أعجوبة من مار يوسف زوج مريم، أو غير مؤمنين يتأملون فيه ولا يجدون له تفسيرًا علميًّا منطقيًّا لنشوبه في الهواء لولبيًّا عاليًا ولا دعامة له من أدنى درجاته حتى أعلاها، كأنه درج معلق في الهواء على غرار الجسور المعلقة.
قرن ونصف القرن، وحديث الناس والصحافة والمهتمين، لا يتوقف عن هذا الدرج المعلق الأعجوبي.
تمامًا كما عندنا في لبنان: عقد ونصف العقد وحديث الناس لا يتوقف عن أعجوبة مذهلة بتفاصيلها وأخبارها وتطوراتها اليومية: اسمها جسر جل الديب.
كان عندنا في جل الديب جسر من أيام الجاهلية، طقطق حتى كاد يقع بمن فيه على ما فيه، إلى أن نزعته الدولة الشوساء واعدةً أهالي المنطقة بتركيب جسر آخر جديد.
وكجميع وعود الدولة، لم تظهر أعجوبة جسر جل الديب بعد، مع أن أهالي المنطقة تظاهروا وصاحوا وهددوا، ومشى نوابهم الأشاوس أمامهم في تظاهراتهم وصياحاتهم وتهديداتهم، وما زال أهالي المنطقة ناطرين، والمواطنون اللبنانيون عابرو أوتوستراد جل الديب ناطرين، وقاصدو الأحياء الداخلية في الزلقا وجل الديب وأنطلياس ناطرين، وهم يتأملون عبقرية المسؤولين المختلفين على شكل الجسر، هل يكون بشكل L أو بشكل U، والمواطنون ناطرون، والمسؤولون منشغلون، والدولة مهتمة مثل مرتا وأكثر وأكثر.
وعلى مسطرة وعود الدولة، اعتاد المواطنون ألّا يصدقوها، وأن يحلموا، فقط أن يحلموا، بجسر جل الديب، مرة يحلمون أنه كدرج كنيسة لوريتو معلق في الهواء، ومرة يحلمون أنه مدعم على الأرض، ومرة يحلمون أن يحلموا بدولة تصدق في العمر ولو مرة واحدة.
وبين درج لوريتو وجسر جل الديب، لا يرى الناس في الحالتين إلّا جوابًا واحدًا: أعجوبة من السماء.
هـنـري زغـيـب