في منعرجات”الفايسبوك” فسحةٌ تُتيح لك “دعوةَ صديقٍ” (Invite a friend) تَضمُّه إِلى لائحتك فيزداد “أَصدقاؤُك الفايسبوكيون” ويُصبح لك قراءٌ كُثُرٌ متابعون صفحتَك وأَخبارك وصُوَرَك، تتبادل وإِياهم المعلومات الشخصية والعامة.
وكذا الأَمر في الــ”واتسآپ”: تتوسَّع دائرة الأَصدقاء الذين تتبادل وإِياهم لقطاتِ ﭬــيديو أَو صُوَرًا أَو نكاتٍ أَو طُرَفًا أَو معلوماتٍ أَو آخِـرَ ما يصلك من أَخبار.
هؤُلاء وأُولئك – ومعظمُهم قد لا تكون تعرفهم سوى بالاسم – إِذا كان يُدعَون تجاوُزًا أَصدقاء عن بُعدٍ، فهل عن قُربٍ كلُّ صديقٍ حقًا صديقٌ؟
كم واحدًا من حلقتك المصغّرة يستحقُّ أَن يسمَّى صديقًا، وأَن يَستحقَّ فعلًا شرفَ ثقتِكَ به صديقًا ليس مريضًا بالـ”أَنا”؟
فصاحبُ الـ”أَنا” مريضٌ مقنَّعٌ يختبئُ خلف ابتسامته، ويخبِّئُ حسَدَه وحقدَه ونجاستَه خلف كلامه الوَدود.
تظُنُّه صديقَك وتركن إِليه، فإِذا به حسودٌ ينتظر أَول منعطف لينقضَّ عليك.
تساعدُه باسم الصداقة وعُمرٍ لكُما معًا، فيتَّخذ مبادرتَكَ واجبًا منكَ تجاهه.
تقرِّبه من مقعدك فيعتقد أَنه مساوٍ إِيَّاك في الجوهر ويعمل على طعنك لاحتلال مقعدك.
تستضيفه في بيتك فيحاول في غفلةٍ عنك أَن يتقرَّب من زوجتك أَو ابنتك.
تعطيه فرصةً ليظهر معكَ فَيَحْرَدُ منك إِن لم تقدِّمه عليكَ ظهُورًا أَو تسميةً أَو لقاءً بالآخرين.
تسحبه من مغموريَّــته وجَهْل الناس إِيّاه، فيحترمونه معك ولأَجلك، ويظن أَنه بات أَشهر منكَ ومتقدِّمٌ عليك عند الناس.
تقدّمه إِلى أَصدقائك فيغافلُك خلسةً إِليهم ويستفيد من فوائدهم وصداقتكَ وإِياهم، وهم استقبلوه أَصلًا على أَنه صديقُك.
تُهديه من رصيدكَ رصيدَ معنوياتٍ له، فيتعاظَم تَكَبُّره وتَعَجْرُفُهُ وﭬـيروس الـ”أَنا” لديه ويروح يفرضُ على الناس “أَناه” في أَحاديثه ونقاشاته وكتاباته وحواراته، فينسى جميع ضمائر الغائب والمخاطَب ولا يحكي إِلَّا بضمير المتكلّم: “أَنا قلتُ”، “أَنا فعلتُ”، أَنا كتبْتُ”، “أَنا سبقتُ الآخرين”، إِلخ…
هذا هو الصديقُ المقنَّع بالــ”أَنا” المريضة، وأَنت تظنُّه أَمامكَ حاملًا إِليك وجهه عاريًا من الخُبث والنجاسة والاسـتِــغْــيـاب.
هذا الذي تظُنُّه صديقَك، إِحذره واحترس منه بلا تردُّد.
“إِتَّقِ شرَّ من أَحسنتَ إِليه”، قليلةٌ عليه.
“… وإِن أَنتَ أَكرمتَ اللئيمَ تَـمَرَّدا”، قليلةٌ عليه.
“مَن ضَرَبَكَ على خَدِّكَ الأَيمن أَدِرْ له الأَيسَر”، كثيرةٌ عليه ولا يستاهلُها.
“أَحبُّوا بعضَكم بعضًا كما أَنا أَحبَبْتُكم”، لا يا سيّد، اسمح لنا بها، حتى أَنتَ دخلتَ على الفرّيسيِّين وجَلَدْتَهُم بكرباجِك.
هذا الفريسيُّ الذي كان صديقَك، لن تتعرف إِلى درجة صدْقه وصداقته ومصداقيته، حتى تكشِف أَنتَ قناعَهُ، أَو ينكشفَ قناعُهُ في تَصَرُّفٍ يفضَح الثعلبَ الذي فيه، والذئْبَ الذي يعوي في داخله وأَنت تظنُّه كلامًا في الوفاء.
“صديقُك من صدَقَك”؟
لا. أَبدًا. صديقُك: مَن يُقابلك بوجهه الصادق العاري، لا بقناعٍ تَظُنُّه وجهَهُ، وتظلُّ مغشوشًا به حتى يقَعَ عن وجهه هذا القناع.
هـنـري زغـيـب