“نُقطة على الحرف” – الحلقة 1314
“أَنا هو الربُّ إِلَــهُـكَ… الرحمنُ الرحيم”
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 25 حزيران 2017

         في أَجواء عيد الفطر الذي هَــلَّ علينا اليوم، جاءَني أَمس من صديق لي في مونتريال (كندا) شريطُ ﭬــيديو من خمس دقائق، يَظهَر فيه رئيس وزراء كندا جوستان ترودو، ابنُ الخمسة والأَربعين ربيعًا، يُشارك في توضيب وجبات طعامٍ حصصًا حصصًا داخل صناديق خاصة، كي تتوزَّع على الأَهالي والعائلات للإِفطار في رمضان.

         الأَهمُّ من لفتته في هذه البادرة النبيلة: كلامُه في المناسبة بأَنّ “رمضان شهر السماح والخير والعطاء والإِحسان”، مشدِّدًا على أَنّ “الأَديان هي في خدمة الإِنسان”، وأَنّ “التسامُح سِـمَةُ كلِّ دين في مواجهة كل عنفٍ وجُحُود”.

         وكان ترودو، نهار السبت 27 أَيار في اليوم الأَول من رمضان هذا العام، أَلقى كلمةً تلـﭭـزيونية تمنّى فيها لِـمُسلمي كندا والعالم رمضانًا كريمًا (لفَظَ العبارة بالعربية) قال فيها إِن “رمضان هذا العام يصادف الذكرى 150 لتأْسيس كندا”، وشدّد على هوية بلاده تقاليدَ وثقافاتٍ ومعتقداتٍ، وقال إِن مُسْلمي كندا “يشاركون في نهضتها، وفي جعلها بلدًا مزدهرًا ممتعًا للعيش فيه، ويُسهمون فعليًّا في جعل كندا بلدًا قويًّا منفتحًا على العالم”.

         هكذا يكون الحاكم ضميرَ شعبه ومرآةَ بلاده، في الانفتاح على الآخَر، في معرفة الآخَر، في قبول الآخَر، وفي مصافحة الآخَر: يدًا تَبني التراث، نِــيَّــةً تُواصل الميراث، وشريكًا في الإِرث لنهضة الوطن.

         هذا الانفتاح يَقضي على الظلامية والتكفير والتعصُّب والإِرهاب. فالدين ليس وازعًا بالشر، والوازعون بالشر متديِّنون زُورًا، ضالُّون عمدًا، مستغلُّو الدين لمآربهم الشريرة، رافعين السيف باسم الدين لقطع الرؤُوس لا لهداية النفوس، فيما الديانات السماوية تنهى عن الشر وتبشّر بالخير والسماح.

         “… وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا” جاء في الآية 103 من سورة عمران.

         و”أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، باركوا لاعنيكم” جاء في الآية 27 من الفصل السادس في إِنجيل لوقا.

         من هذا المنطلق نَفهم منطِق الحاكم، جسَّدَه جوستان ترودو لشعب كندا مُسْلميها ومسيحيـيها في رمضان، ومن هذا المبدإِ تُبنى الأُممُ على روح الشرائع الخيّرة، وليخسَــإِ الضالون الظالمون التكفيريون.

         بهذا الدُعاء نَصحو صباحَ اليوم على عبارة “فطر سعيد”، نقولها لِـمُسلمي لبنان والعالم، كي يكون لنا عيدٌ سعيد ووطنٌ سعيد ومستقبلٌ سعيد في لبنانَ العائلةِ الروحيةِ الفريدةِ الـمُشَكَّلةِ من أَبناء شرائعَ دينيةٍ تتوحَّدُ ابتهالًا تَقَويًّا صادقًا مِـمّن يؤْمنون بأَنْ “أَنا هو الربُّ إِلهُك، لا يكُن لكَ إِلهٌ غيري”، ومـمَّن يؤْمنون أَنْ “لا إِله إِلَّا الله”… فهو الإِلهُ الواحد الرحمنُ الرحيم، مالكُ يوم الدين، ربُّ العالمين، آمين.

هـنـري  زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib