لا أَنوي أَن أَكون سلبيًّا كمعظم الذين، في الصالونات والجلسات الإِخوانية، تدور أَحاديثهم سلبيَّةً عن قانون الانتخاب، وهو في الواقع قانون انتحاب، لأَن طابخيه يَنتحبُون عليه وآكليه ينتحبُون منه، فلا هو أَرضى واضعيه ولا هو أَرضى موضوعيه.
السلبية هنا لم تعُد تنفع، بعدما صدَر وارتفعت لأَجله 115 يدًا بالموافقة عليه ولو بدون اقتناع.
والسلبية أَصلًا لا تنفع في نظامٍ عندنا اعتاد أَن يسيِّر الناس فينصاعوا ويَسيروا أَغنامًا وراء زعمائهم، عميانًا وراء قادتهم، أَزلامًا وراء أَسيادهم، محاسيبَ وراء أَولياء نعمتهم، فَلِمَ السلبيةُ إِذًا ما دام الناس ينقادون مسلوبي الإِرادة والقرار؟
السلبية هنا ضعْف لأَنها تنتقد شخصًا معنويًّا اسمه الدولة، بينما الأَجدى أَن تتوجَّه بالاسم إِلى مَن يَسُوسون الدولة لأَنهم هم المسؤُولون عما يتغلغل في الدولة من سُوس المثالب والنواقص والمعضلات.
فلْنتخلَّ عن السلبية إِذًا ولنواجِهْ بواقعيةٍ هذا القانونَ الجديد الذي لن يغيّر الكثير من وجوهٍ إِقطاعيةٍ وأَسماء عشائريةٍ وزعاماتٍ قبائليةٍ تتحكَّم بالبلاد منذ عقود وعهود.
المواجهة بواقعيةٍ تكون بالعقاب. والعقاب يكون برفْض مَن لا يزالون يَــتَــربَّـخون على أَكتاف الناس، ويستعملون الناس مطايا لهم، ويستخدمون الناس وقودًا لهم، ويُطَقْطِقون بالناس “حـبَّات مَسَابح” بين أَيديهم.
المواجهة بالواقعية تكون بِـحَجْبهم من لوائح الانتخاب أَيًّا تكن هذه اللوائح: مكتملةً أَو غير مكتملة، ملوَّنةً أَو غير ملوَّنة، وليكن الرفْض برفْض الفَرض في لوائح مفروضةٍ بأَسماء لا يستحقُّ أَيٌّ منها أَن يكون تفضيليًّا لأَن الأَسماء فيها متساوية بعدم الجدوى، ولتُلْغَ الورقة عند الفرز، وليَشعر المرشحون أَن الناس لم يعودوا قطعانًا ولا أَعدادًا ولا أَرقامًا في حسابات السياسيين.
المواجهة بالواقعية تكون بقناعة الناس أَن المرشحين هم ذاتهم: في هذا القانون وفي أَيّ قانون بأَيّ صيغة قديمة أَو جديدة أَو معدَّلة أَو مُرَوْتَشة، والواقعية الوحيدة هي عدمُ الالتزام بلوائح مُعَلَّبةٍ سلَفًا، معروضةٍ سلَفًا، مفروضةٍ سلَفًا، مطبوخةٍ سلَفًا.
المواجهة بالواقعية لا تكون بالاحتجاج في الشارع والشعارات على حجْب الكوتا النسائية بل بتَرَشُّح سيدات مستحقّات مقْنِعاتٍ غيرِ تابعاتٍ حتى ولو لم يَفُزْنَ، لأَن سيدةً مستقلَّة حرةً لا تفوز، أَفضل من سيدة تفوز لأَنها مفروضةٌ بالكوتا في لائحة مفروضة.
المواجهة بالواقعية تكون برفْض الفرْض، لأَن بين المرشحين حتمًا مَن يستحقُّون بالفعل والجدارة أَن يكونوا نوابًا، لكنّ زجَّهم في لوائحَ معلَّبة مفروضة سيُعيقهم عن الوصول لأَنهم مخنوقون بِـمَن هم مفْروضون عشائريًّا عليهم في لوائح مقْفَلة مع مَن لا يستحقُّون.
رفْض الفرْض يكون في المواجهة بالواقعية، والواقعيةُ هي قطْع الطريق على مَن اختبرناهم سنواتٍ وعقُودًا ولا يستحقُّون أَن يكونوا لأَولادنا حرّاس الطريق.
هكذا لا نكون سلبيّين بالتنظير اللفظي بل واقعيين بالتقرير الميداني.
والواقعية هنا أَجدى وأَقوى من كل سلبية.
هـنـري زغـيـب