الحمدُ لله ربّ العالمين، سبعين مرةً سبع مرات، أَنّ عندنا في لبنان نعمةً اسمها “جـمعية حماية المستهلِك”.
أُصارحكم أَنني لا أَعرف شيئًا عنها، ولا أُتابع أَعمالَها وتقصِّياتِها ونتائجَ حمَلاتِها وجولاتِها وكشوفِها الميدانية في الأَماكن المخالِفة.
لكنني أُصارحكم أَيضًا أَنني مُطْمئنٌّ لوجودِها، ولو اسميًّا، مع أَنني لم أَقرأْ مُؤَخَّـرًا ولا مقدَّمًا عن محضرِ ضبطٍ حرَّرتْهُ أَو مخالَفَةٍ صرَّحت عنها بالاسم والمكان والزمان عند التلاعُب بالأَسعار لدى “الأَحباء” التجار المستفيدين من غياب الرقابة على المعيار.
سوى أَنّ حديثي إِليكم اليوم عن فكرة إِنشاء جمعيةٍ مناقِضةٍ تمامًا “جمعية حماية المستهْلِك”، يكون اسمُها بكل بساطة : “جمعية حمايةِ اللامستهْلِك”.
كيف؟؟ إِتبعوني.
وصلتْني أَمسِ السبت فاتورةُ هاتفي الخَلَوي. سأَقرأُ لكُم فيها حرفيًّا: رسوم الاستخدام 19،15$. الرُسوم الشهرية الثابتة: 57$. مجموع ما قبلَ الضريبة على القيمة المضافة: 76$، الضريبة على القيمة المضافة: 7،6$. مجموع الرُسوم الحالية: 83،7$. يعني بحساباتي المتواضعة، أَنا المواطن العادي: استهلكتُ نحو 20$ لكنني أَدفع نحو 80$ أَي أَربعةَ أَضعاف ما استهلكتُ. ويعني، بمعنى آخر، وبحساباتي البدائية، أَنا المواطن العادي: إِن لم أَستهلِك أَبدًا هاتفي الخَلَوي، عليَّ أَن أَدفع للدولة الشَوْسَاء: نحو 60$ بدونِ أَن أَكونَ استعملتُ هاتفي. وهذا يعني لي، أَنا اللامستهلِك، أَنني مستهلَكٌ بمبلغٍ لم أَستهلِك منه فلسًا واحدًا.
إِتبَعوني بعد: ساعةُ الكهرباء عندي، حين لا أَستهلكُها إِبَّان سَفَري، أَدفع عليها استهلاكًا يجعلُني مستهلَكًا غيرَ مستهلِك.
إِتبَعوني بعد: ساعةُ المياه عندي، ولو لم أَستهلِك نقطةً واحدةً، أَدفع عليها سنويًّا 300 أَلف ليرة تجعلُني مستهلَكًا غيرَ مستهلِك.
إِتبَعوني بعد: تتقاضى منا الدولةُ الشَوْسَاءُ سنويًا مبلغاً مقطوعًا على ما تسمّيها “ضريبة كَنْس وأَرصفة”. كم مواطنًا في الوطن يفرح في بلدته يوميًّا بـمَشهد كَنْس، وكم بلدةً تؤَمّن لِـمواطنيها “الأَحبّاء” أَرصفة مرتَّبة مبلَّطة ونظيفة؟
لا تتبعوني أَكثر لأَنكم ستنهالون مثْلي باللعنة والغضَب على مَن جعلونا في هذا الوطن مستهلَكين لامستهلِكين، نَدفَع على ما لا نستعمل، نَدفَع غصبًا عنا على ما لا نستفيد منه، ولا أُعرِّج هنا كثيرًا على فاتورةِ كهرباء أُخرى لقراصنة المولِّدات في الأَحياء، وفاتورةِ مياهِ أُخرى لقراصنة الصهاريج، فهذه لعنةٌ حتمًا سبقتموني إِليها.
لذلك قلتُ في بداية حديثي إِننا في حاجةٍ إِلى تأْسيس “جمعية حماية اللامستهلِك”، لأَن في الوطن مُستهلَكين غير مُستهلِكين، يدفعون ضرائبَ لا على الاستهلاك بل على الهلاك، لأَن شعبَنا المستهلَك غير المستهلِك يَدفع ضرائبَ لا تعود عليه بأَيّ فائدة صحية أَو اجتماعية أَو تعليمية أَو تخفيفية. فلِمَن ولماذا إِذًا شعبنا – بلا مقابِل ولا خدمات – يَدفع للبلدية مثلًا “رسمَ موادّ قابلة للاشتعال والانفجار، ورسمَ أَماكنِ اجتماع، ورسمَ تعمير، ورسمَ إِفاداتٍ وبيانات” وفقًا لما جاء في القانون رقم 60/88، قانون الرسوم والعلاوات البلدية وتعديلاتِه، وهو يفرض على البلدية “استيفاءَ رَسم صيانةِ مجارير وأَرصفة، مع رَسم القيمة التأْجيرية، بصرف النظر عن وجود شبكةٍ أَم لا”؟
فإِلى أَين وإِلى مَن تذهب هذه الضرائب، ولا تُؤَمِّن للشعب استردادَ بعضٍ قليلٍ من الفوائد والخدَمات الضرورية لحياته اليومية؟
ونتغنَّـى بكل سذاجة: “يا مهاجرين ارجعوا… غالي الوطن غالي” !
نعم: هذا هو الواقعُ في وطن “نيّال مين إِلو فيك مرقد عنزة”.
واحترامًا هذا الواقعَ، سأَتقدَّم بطلب “العلم والخبر” لجمعيتي الجديدة “جمعية حماية اللامستهلِك”.
ويا مرحى بدولةٍ تُسجّلها “موسُوعة غينِس” (Guinness) دولةً فريدةً في التاريخ بأَنها جعلَت “شعبها الحبيب” مستهلَكًا ولو… غيرَ مستهلِك.
هـنـري زغـيـب
www.henrizoghaib.com