“نقطة على الحرف” – الحلقة 1310
نصائح افتراضية و مصائب حقيقية
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحـد 28 أَيَّـــار  2017

               تتوالى ظواهرُ مُؤْذيةٌ تَنتُج عن المسمّاة “وسائِط التواصُل الاجتماعي”، بما في تلك الظواهر من مخاطرَ ينساق إِليها الناس، ولا يبدو أَنهم يُقَدِّرون مخاطِرَها الداهمةَ، على غفلةٍ منهم، أَو عن إِهمالٍ وإِيغالٍ في التعاطي غيرِ المسؤُول.

فعدا ما تَــبُــثُّـه المحطاتُ الإِذاعية والتلفزيونية من برامجِ توقُّعات الأَبراج ووصفات الطبْخ وتصليح السيارات، وفيها ما فيها من مخاطرِ توقُّعاتٍ قد تُضِرُّ بالـمُتلقِّين، لتصديقهم ما يَسمعون ويُشاهدون، وهو قد لا يكون عِلْميًّا أَبدًا، وأَعجب من مسؤُولي المحطات كيف يعرِّضون متلقِّيهم لهذه المخاطر، أَعجب أَكثر من مستخدمي “وسائط التواصل الاجتماعي” – وتحديدًا هذا الــ”فايس بوك” – لأَنهم على شاشة هواتفهم أَو أَجهزة الكومبيوتر المحمولة أَو المكتبية يتلقَّون أَخبارًا ومعلوماتٍ ليست في معظمها عِلْميةً ولا طبيةً، ومع ذلك يأْخذ بها المتلقُّون على ما هي، غيرَ مدركين خُطُورةَ ما يتلقَّون.

من تلك الوصفات غير المسؤُولة: هذا مشروبٌ يَشفي من السرطان، وهذه عُشبةٌ أَثبتَت جدواها بالشفاء من عوارض ضغط الدم، وهذا مسحوقٌ مركَّبٌ يُعيد بَشَرتَكِ إِلى رونقها وصباها، وهذا دواء طبيعيٌّ يزيل تجاعيدَ وجهكِ ويجدِّد شبابَكِ، وهذه وصفةٌ طبيةٌ مضمونةٌ لعينيكِ، وهذه وصفةٌ لقدَميكِ، وهذه وصفةٌ لشَعركِ يجعلُه طريًّا لـمّاعًا ويهدِل كالحرير، وهذه مستحضراتٌ تُفيد طفلَكِ الرَضيع عوَض الحليب، وهذا علاجٌ مُــقَــوٍّ عناصرَ الخصوبة والرجولة والعافية، … إِلى سواها الكثير مما لا يتَّسع له هنا المجال.

لا أَعرف موقف النقابات المهَنية حَيال هذا الانفلات الخطِـر بين الناس الذين فيهم مَن يصدّق تلك الوصفات والنصائح، وفي معظمها ما يُضِرُّ أَو يُؤْذي، وفي أَحسن الأَحوال لا يُفيد. وفي جميعها نصائحُ وإِرشاداتٌ صحيةٌ وطبيةٌ غيرُ مسؤُولة، ولا رادعَ لها ولانتشارِها في صفوف مستخدمي الـ”فايس بوك”، غيرَ واعين أَنهم في أَكثر الأَحيان سيكونون ضحايا هذا الانتشارِ غيرِ المسؤُول على وسائلَ غيرِ مسؤُولة، ووسائِطَ غيرِ جِدّيةٍ وغيرِ علْميةٍ وغيرِ موثوقةٍ أَخطرُ ما فيها أَنّ الناس لا يعودُون يراجعون الطبيب أَو الصيدلي أَو الخبراء أَو المستشفيات، بل يَركُنون إِلى وصفات الـ”فايس بوك”، وحين تقَع الكارثة ولا يعود ينفَعُ التحسُّر والنَدم، لن يكونَ أَحدٌ يُـحاسبُه الضحايا لأَن الـ”فايس بوك” شبَحٌ مجهولٌ لا حسيب عليه ولا رقيب، ولا تطالُه حتى قوانين الرقابة والعدالة.

وبئْس “تواصُل اجتماعي” يسبِّب شبَحُهُ “الخطر الاجتماعي”.

هـنـري  زغـيـب 

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib